تابع الملايين حول العالم العرس الملكي البريطاني. الجميع كانوا يتابعون بإعجاب التفاصيل المتعلقة بسير حفل الزفات الملكي والترتيبات الدقيقة التي اتخذت لضمان سير الأمور على أحسن وجه. فلا عجب في ذلك فالملكية البريطانية هي واحدة من أقدم المؤسسات الملكية في العالم والتي يرجع تاريخها إلى ألف عام. فكل شيء معد له مسبقاً من قائمة الضيوف إلى ترتيب جلوسهم في الكنيسة إلى قائمة الطعام التي سوف تقدم للضيوف وغيرها من التفاصيل الأخرى.
وكغيرها من الشعوب تابع الملايين من العرب ذلك الزفاف ربما بدافع الفضول أحياناً أو بدافع شهرة العروسين أحياناً أخرى. تفاصيل ذلك الحدث ظلت مثار تعليقات الناس على وسائل التواصل الاجتماعي. البعض يعلق على تكاليف الفرح والبعض الآخر على التغير الذي لحق بالمؤسسة البريطانية والتي كسرت العديد من القواعد لتجعل من ذلك الحدث ممكناً.
ردة فعل العرب اختلفت عن ردة فعل الشعوب الأخرى. فالرابطة التي تربط بعض الشعوب العربية ببريطانيا رابطة تاريخية تعود لعقود طويلة عندما كانت بريطانيا العظمي تحكمهم. وفي حين كانت العاطفة هي التي تسير الشعوب العربية تعود العرب أن لا يروا من بريطانيا إلا الوجه المتزمت المحافظ الذي لم يكن يحلم أحد بتغيره. ألا أن ذلك تغير. ولكن المفاجأة أن الشيء الذي لم يتغير حتى الآن هو تلك الثقافة الشعبية العربية.
ففي حين تغير العرب وتخلوا عن الكثير من عاداتهم وتقاليدهم فإن شيئاً واحداً لم يستطيعوا تغييره ألا وهو تلك الثقافة الكلاسيكية التي ما زالت متجذرة في نفوسهم رغم كل الظروف والمتغيرات. فالمتابع لوسائل التواصل الاجتماعي لاحظ ذلك التركيز على لون بشرة العروس وذلك الاستغراب من هذا الزواج المختلط.
فقد أظهر ذلك الزفاف العنصرية والتميز رغم كل مساحيق العصر. وعلى الرغم من أن الزواج المختلط ليس بالغريب على العرب ولا على تاريخهم إلا أن هذا الزواج بالتحديد أظهر لدى البعض تلك النزعة التي إن دلت على شيء فهي تدل على أن الثقافة الشعبية التقليدية لا تزال تسيطر على أذهان الكثيرين. في التاريخ العربي هناك ملوك وأمراء تزوجوا بجوارٍ سمر البشرة وأنجبوا ملوكاً وأمراء حكموا البلدان العربية لسنين طوال.
وعلى الرغم من ذلك فإن الثقافة المختمرة سرعان ما تظهر على صورة ردة فعل أو تعليق أو هجاء أو غيره من أشكال التميز العنصري. ديننا الإسلامي الحنيف حرم ذلك التمييز كما حرمته الشرائع السماوية المختلفة وفي هذا تأكيد على أن الإنسان ولد حراً، وأن لون البشرة ليس دليلاً على عبودية الشخص ولا على تدني مستواه الاجتماعي.
إن التعليقات التي أطلقت على وسائل التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بالزفاف الملكي كثيرة. ويمكن هضم معظم تلك التعليقات إلا تلك المتعلقة باللون والعرق والتي يشم منها رائحة العنصرية والتميز العرقي حتى وإن وضعت في أسلوب ساخر يخفي مضامينها. ففي مجتمعاتنا ما زال لون البشرة ومستوى الشخص الاجتماعي يحدد مكانته في المجتمع على الرغم من كل الكفاءات التي يمتلكها والجهد الذي بذله لتحسين ظروف حياته.
ليس عندنا فقط ولكن حتى عقود قليلة كان هذا هو الحال في الغرب. ولكن الغرب تخطى هذا الشيء وإن كان في الظاهر. فقد أصبحت التعليقات العامة المتعلقة باللون أو المعتقد هناك جريمة يعاقب عليها القانون. فلا يستطيع أحد أن يطلق تعليقاً يمس بالدين أو العرق دون أن يعرض نفسه للمساءلة القانونية. كل ذلك حفاظاً على تماسك المجتمع والتعايش السلمي بين أطياف البشر. وهكذا حفظ للناس كرامتهم على مختلف مشاربهم وطوائفهم وألوانهم.
إن مجتمعاتنا العربية التي تعيش حالياً في حالة مخاض كبير نأمل في أن تنتهي بحالة تغير حقيقي وملحوظ ليس فقط في الأطر والقواعد العامة ولكن في الثقافة الشعبية والتي تلعب دوراً كبيراً في التأثير على سلوكيات الأفراد وردة فعلهم.
فهذه الفئة التي لا تزال تعيش في أسر الماضي وثقافته تحتاج إلى تجديد تلك الثقافة الفكرية البالية لتحل محلها ثقافة العمل الجاد واحترام الآخر، مهما كان لونه وعرقه وطائفته. فلسنا نعيش في عصر الطوائف والملوك بل في عصر التجديد والتنوير والعمل والبناء الذي يحتاج إلى جهد الإنسان وليس إلى لونه وعرقه.
جريدة البيان