أين تتموضع الأنا في لعبة التأليف من قبل الذكاء الاصطناعي للأدب؟ هل ينسف تعريف الأدب لصالح معادلات رياضية تدفع الآلة إلى صف الكلمات وإنتاج المعاني والصفات؟ أين يلقى بالآخر في هذه الهاوية؟ هل يكون القارئ المفترض أم الأديب المقتول بسلاح العلم؟ هل يحمل التقدّم العلمي الخير والراحة والسعادة والأمان والرقي للبشرية أم تراه يحمل بذور التدمير الذاتي؟ هل يتحوّل الذكاء الاصطناعي إلى لعنة الإنسان المشتهاة والمنفرة في الوقت نفسه؟
تجسّدت بداية خروج الذكاء الاصطناعي إلى طور التأليف بعمل مشترك شارك في تأليفه، بحيث أسهم بقسطه في بناء العالم الأدبي، وأدلى بدلوه فيه، ودشن عهد ما يوصف بـ”الذكاء الاصطناعي المؤلف” الذي يفترض به أن يخرج من قيود التبعية إلى رحابة التأليف، ويتحوّل من منتَج فكريّ إلى منتج للأفكار، وربّما المفاهيم والمصطلحات.. مَن يدري!
السطر الذي انتشر والذي نسب إلى الذكاء الاصطناعي، والذي جاء فيه “اليوم الذي يكتب فيه الكمبيوتر رواية. الكمبيوتر، وضع أولويته السعي لتحقيق سعادته، وتوقف عن العمل للبشر”، يمثل صدى للسعي البشري الدائم إلى السعادة، بحيث يكون نشدان السعادة غاية المنى للشيء الذي يؤدي دور العاقل، أو العقل من دون روح.
استطاع النص القصير الذي شارك الذكاء الاصطناعي في تأليفه بالتعاون مع البشر تجاوز جولة الفرز الأولى لجائزة أدبية في اليابان.
تحت عنوان “اليوم الذي يكتب فيه الكمبيوتر رواية”، هذه القصة القصيرة كانت جهدا جماعيا بين المؤلفين البشريين، بقيادة هيتوشي ماتسوبارا من جامعة المستقبل هاكوداته، وكذلك، الكمبيوتر. ماتسوبارا، الذي اختار الكلمات والجمل للكتاب، وضع المعايير للذكاء الاصطناعي لبناء الرواية قبل السماح للبرنامج بتولي القيادة وفي الأساس “كتابة” الرواية بنفسه.
الذاكرة هي الهبة الكبرى التي يحظى بها الإنسان، ومهما تمّت برمجة الذكاء الاصطناعي ليقوم بأدوار معيّنة، فإنّه سيبقى مفتقرا للقدرة على الخلق والابتكار، ولا تجدي صناعة الذكريات أو حشوها عبر معادلات رياضية وصور فنية، لأنّها تظلّ محدودة غير قابلة للتحوّل والتبدّل والتخييل.
كما أنّ القدرة على الحلم تظلّ عصية على أيّ ذكاء، وسيكون أيّ فعل من هذا القبيل سعيا وراء تكرار صور أو معادلات مخزّنة، أو منطلقة على أساس ما تمّ تخزينه، لأنّ الخيال والحلم من أهمّ السمات التي تميّز الإنسان، وتضفي على إبداعاته معاني جديدة كلّ مرّة.
ربّما يكون الحديث عن الذكاء الاصطناعي المؤلّف ضربا من خيال علمي، أو أدبي، لكنّ ألم يحقّق العلم المستحيلات، أنجز مبتكرات ساحرة، ساهمت في الارتقاء بالحياة، بالموازة مع تلك المخترعات التي تسبّب الخراب والدمار والموت، ولاسيما الأسلحة التي يتم تطويرها لتفتك بالبشر والحياة على سطح الكوكب الأرضي.
قد يتحول الذكاء الاصطناعي إلى محرر للأخبار، أو جامع للمعلومات، لكن لا يلوح في الأفق أنّه سيسلب الإنسان دوره في الإبداع، لأنّه نتاج إبداع الإنسان نفسه، ويكون التحديث عبارة عن تطوير للخوارزميات، لكن الروح تبقى السرّ الأعظم الذي لا يمكن بثّه في الأجهزة الذكية، ولا يمكن لها عيش الأحاسيس بمعناها الحقيقي، ومشاعرها الصادقة، لا تلك التي تبرمج وترسم لها.
صحيفة العرب