المتابع للمشهد الإعلامي يلاحظ سيادة وهيمنة الصورة في التواصل مع الجمهور وصناعة ثقافته، وتشكيل الوعي بأبعاد تتجاوز حدود إطارها، فهي الأكثر تأثيراً وجاذبية وتوضيحاً للحقائق وأول ما تقع عليها الأنظار في تراتبية أدوات مخاطبة الجمهور.
والصورة، كما يقول المثل الصيني، بألف كلمة وفي كثير من الأحيان تتفوق على كل الكلمات؛ كونها الأقدر على اختزال النصوص وتتيح للمتلقي قراءتها بلحظة وبوضوح دون تعقيد.
ولا شك في أن استخدام الصورة أثرى المحتوى الإعلامي والمنظومة الثقافية بشكل عام، وهي الأداة الأكثر قدرة على إيصال المشاعر ووصف الجمال أو الحزن أو ما تلهم به الطبيعة ومناظرها الخلابة، فالكلمات لا يمكن أن تصف الحزن والجمال، بل قد تنتقص من قيمتهما وتضعف تأثيرهما، بينما الصورة كفيلة بذلك بدون جهد. كما أن للصورة دورها الإيجابي في مختلف أنواع العلوم بما فيها الطب والهندسة والتعليم وعلاقات الحكومات ببعضها البعض وعلاقتها بجمهورها، والأهم من ذلك وحدة واستقرار المجتمعات ورأيها العام تجاه قضية معينة.
إن الصور حكايات ونصوص. رسائل وأهداف، بعضها موضوعي والآخر منحاز وقد يكون متطرفاً، بعضها تخليد للجمال وتذكير بالخير، والآخر دعوة للشر أو تشويه للجمال وخداع للوجدان.
والصور التي تشكل دليل صدق النص، تحولت إلى نص ثري بذاته، قابل لأوجه عديدة من التأويل والتحليل، وتستخدم أحياناً لخدمة اتجاهات من يمتلكها وينشرها، خاصةً في هذا الوقت الذي تضج فيه وسائل التواصل الاجتماعي بصور تحمل آلاف الحكايات، وتأويلات مختلفة.
لهذا كله، ننظر بأهمية بالغة إلى الحدث السنوي.. المهرجان الدولي للتصوير «إكسبوجر» الذي ينظمه المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، للتأكيد في كل مرة على الأهداف السامية التي يجب أن تكون دافعاً ومحركاً لفن التصوير، وللتأكيد على دقة وحساسية الصورة كأداة، وضرورة أن يتحلى المصور بالمسؤولية الأخلاقية أو بالموضوعية كحد أدنى.
الفن بدون مسؤولية لا يكون فناً، بل مجرد حرفة ومهارة جامدة، الأمر الذي دفع بالكثير من المصورين حول العالم لتشكيل اتحادات ومنظمات تدعم الصورة المسؤولة وتوفر للمصورين أصحاب الأهداف السامية مرجعيةً للتعريف برسائلهم ومنصةً للتواصل مع نظرائهم من العالم.
إننا ننظر إلى أهمية توظيف الفنون كافة، وفي مقدمتها الصورة، لمخاطبة الوعي والمسؤولية لدى الأفراد وتحفيزهم لدعم وتبني ممارسات مسؤولة تجاه قضايا مثل البيئة والموارد والاستدامة.
ونثمن أخلاقيات الصحافة العربية ولا ننكر دورها في التوعية بالقضايا المركزية للمرحلة، لكن لا تزال هناك حاجة لتطوير مبدأ التعامل مع أدوات تشكيل الوعي وفي مقدمتها الصورة، ولا تزال مساحات استخدامها فضفاضة ومتقلبة، ولا شك أيضاً أننا بحاجة لتنظيم الجهود المبعثرة لآلاف المصورين الملتزمين.
في «إكسبوجر» 2018، كما في دورات الأعوام الماضية، تبرز الصورة مصدر إلهام، وأحياناً موّجهاً ومحرّضاً على اتخاذ فعل إيجابي تجاه القضية التي تجسّدها، ومنبع ثقافة ووعي مستدامين، وأحياناً أخرى ناقوساً يدق ليذكرنا بما نملك وما نحن على وشك فقدانه، لأن إمارة الشارقة، أسوةً بباقي الإمارات، كانت وستبقى حاضنة للخير وصانعةً لثقافته ومنتجةً لممارساته المسؤولة.
إن ما نريده من خلال هذا المهرجان الدولي هو أن نؤسس لثقافة ملتزمة وندفع باتجاه تأطيرها ومأسستها وتحويلها إلى مظلة تجمع بين الفن والأخلاق.. بين الجمال والالتزام، وتفرّق بين الفن والحرفة المجردة.
جريدة الخليج