تجد نفسك وحيداً قابعاً في قاعة الانتظار في المطار، لا يزال الوقت مبكراً على موعد رحلتك التالية، الحركة في المطار لا تهدأ، الطائرات القادمة تفرغ حمولتها بشراً يتدفقون كأسراب تعبر أمامك، يعبرون أمامك متجهمين، مرهقين، متعبين، ستعيش بضع ساعات في هذا المطار، المطارات كالحياة، ترى فيها العجائب، قد تلتقي بصديق، وقد تعقد صداقات مؤقتة من أجل حوارات عشوائية بلا معنى، بعض المطارات تكون كالأصدقاء الأوفياء يشعرونك دائماً بأنك على الرحب والسعة، وأنك في منزلك، وبعض المطارات باردة، طاردة، مقيتة، تعبث بك، تفسد عليك بقية الرحلة.
تتناهى إليك من بعيد رائحة قهوة لذيذة، فتشعر بنوع من المتعة، تفقد معها الإرادة، وتسحبك الرائحة اللذيذة إلى المقهى القريب، تجلس إليه، تحتسي قهوة مرة كمرارة الأيام التي تقضيها مسافراً بدون محطات، متسكعاً بين المطارات، في الكرسي المقابل يقعد رجل قد اشتعل رأسه شيباً، وجهه مألوف، تقسم أنك تعرفه، لكنك لم تعد تحفظ الأسماء، ترى نفسك فيه، لأنك تعرف أنك ستبقى مسافراً بين المحطات إلى الأبد.
تنظر إلى عقارب الساعة المعلقة على الحائط يبدو أن العقارب لا تتحرك، ربما قتلتها الرتابة، الوقت لا يزال مبكراً، تتسكع في المطار، المطارات عوالم خيالية، كأنها كائنات أسطورية، تلتهم البشر الذين يهبطون إليها من الطائرات، تشعر بأنك على وشك أن تصبح وليمة لهذا الكائن الأسطوري، تقرر الخلاص من قبضة الكائن الأسطوري، تفكر بالهروب من المطار.
لكنك تجد نفسك بين أولئك البشر الذين لا تعرف أحداً منهم، تنظر في الوجوه المسافرة، تفتش عن وجه تعرفه أو لا تعرفه، الوجوه تروي قصص أصحابها، رجال ونساء، من كل الأجناس والثقافات والديانات، يعبرون أمامك مهرولين، كأنهم يهربون من الوقت الذي يداهمهم، أو متسكعين غير عابئين بما ينتظرهم، تشعر بأنك من فئة المتسكعين، لأنك توقن أن الناس إما واصلون أو مغادرون، لكن الجميع على أي حال راحلون، وثمة مطار نهائي حيث تتوقف فيه كل الرحلات، ويهبط فيه كل المسافرين، هناك الوجهة النهائية، لا أحد ينتظر أحداً، وربما لا أحد يعرف أحداً، يدور بخلدك، يبدو أنك ضيعت العمر في التسكع في المطارات، فلا وصلت إلى وجهتك ولا بقيت في بلدك، فتشعر بأن الحياة تعبث بك!
تعود إلى قاعة الانتظار فقد حان موعد رحلتك، أمامك وجهة لا بد من الوصول إليها، وهدف لا بد من تحقيقه، حينها تقرر التوقف عن السفر بين المطارات والخروج لاستكشاف المدن.
جريدة البيان