أجدُ مُتعةً كبيرة في مشاهدة الحوارات القديمة مع الشعراء الكبار الراحلين، وكذلك مشاهدة بعض البرامج الشعرية القديمة التي أصبحت حلقاتها مُتاحة على اليوتيوب، وفي الأيام الماضية سعدت واستمتعتُ كثيراً بمشاهدة مجموعة حلقات من برنامج (ديوانية شعراء النبط)، البرنامج الشعبي المميز الذي خرج من تحت مظلته عشرات الشعراء المبدعين، وتناوب على تقديمه شعراء وإعلاميون كبار من دولة الكويت الشقيقة أبرزهم: سليمان الهويدي ومحمد العزب وطلال السعيد ومسلّم البحيري وغيرهم. هذه الحلقات وغيرها من حلقات البرامج الشعبية والوثائقية ما كان لها أن ترى النور لولا مبادرة وزارة الإعلام في دولة الكويت بإطلاق قناة (القرين) التي مضى على إطلاقها عام كامل ويتركز اهتمامها على إعادة بث البرامج والمواد الإعلامية التي يحتويها أرشيف القنوات الكويتية.
وكم نحن في حاجة لمثل هذه المبادرة الرائعة من وزارة الإعلام لدينا لكي يُتاح للجميع الاطلاع على كثير من الكنوز التراثية المدفونة في أرشيف القنوات السعودية، فعلى مدى عقود من الزمان أُنتج العديد من البرامج المميزة التي لا أشك أن تقادم الزمن قد أضاف المزيد من القيمة إلى قيمتها الأصلية، وأعتقد أن المشاهد سيستمتع بمتابعتها أكثر من استمتاعه بمتابعة بعض البرامج الجديدة التي يحاول القائمون عليها تصوير الماضي ونقل أجوائه في سبيل تلبية شغف المشاهد وحنينه إلى تلك المرحلة، لكن كثيراً من تلك البرامج تعجز عن إقناع المشاهد وكسب رضاه أو تحقيق أي نجاح يُذكر.
أعتقد أن أكثر ما يجذبني ويجذب أمثالي من المهتمين بالأدب الشعبي إلى متابعة حلقات قديمة من برنامج (ديوانية شعراء النبط) هو التنوع الواسع في فقرات هذا البرنامج، فرغم البساطة في التنفيذ والإخراج يستوقف المشاهد الاهتمام بحضور فنون شعبية مختلفة في الحلقة الواحدة، فيجتمع فيها شعر النظم مع شعر المحاورة، ويجلس عازف الربابة إلى جانب الفنان الشعبي، كما يحرص مُقدم البرنامج على وجود راوي السوالف والحكايات، وعلى كسر حاجز الرتابة بطرح الألغاز على الحاضرين والمشاهدين. وقد لفت نظري في عدد من الحلقات حرص الشاعر سليمان الهويدي على إحياء أحد الفنون الشعبية المهملة وهو فن المعاضلات اللسانية أو «التعاجيز» كما يُسمى في بعض دول الخليج.
وأظن أن الاطلاع على تلك البرامج يُتيح لجيل الشباب مشاهدة الشعراء والإعلاميين الكبار ممن خدموا التراث والشعر الشعبي لسنوات طويلة، والتعرّف على أعمالهم وإبداعاتهم عن قرب، ولعل آخر أولئك المبدعين رحيلاً عن دنيانا هو صاحب الصوت الرائع الإعلامي القدير ياسر الروقي الذي أحزننا خبر وفاته قبل أيام، فالروقي وغيره من الإعلاميين قدّموا العديد من البرامج والفقرات الشعرية الإذاعية والتلفزيونية الجديرة بالإعجاب وبإعادة بثها للمشاهدين.
جريدة الرياض