قولنا في العجلة الندامة مثل يضرب في صدد الأمور العظام التي تتطلب التأني والمشاورة وطول الفكر قبل البت في الموضوع. وهي في ذلك على عكس مخادعة الصبي التي لا تتطلب الكثير من التروي ولا ترمي لأكثر من إشغال الطفل عما نزعت إليه نفسه. ومن أبسط ذلك قيام الأم بوضع الصبير (المادة المرة) على ثديها عندما تريد فطم الصبي عن الرضاعة، وهو ما يشير إليه المثل.
ويحذر القول السامع من العُجالة (بضم العين) أو العَجلة (بفتح العين) ويقول في ذلك بلعاء ابن قيس الكناني:
بضربة لم تكن مني مخالسة
ولا تعجلتها جبناً ولا خرقاً
والحذر من العجلة مبدأ ثابت في الحكمة. وهل أشهر من قولنا «في العجلة الندامة وفي التأني السلامة». ولهذا القول أصداء كثيرة في أدب العامة، ومن أظرفها قول السوريين «قبل ما تحمل جابت كمون، وقبل ما تولد سمته مأمون!»، ويقولون في سلطنة عمان «جايينا قبل الحشر بعشر». وإلى جوارهم يقول اليمنيون «العَجِل مخطي ولو ملك والمتأني مصيب وإن هلك»، ويقولون في العراق «المستعجل يمشط شعره مرتين». ويقولون بصيغة السؤال والجواب: «قالوا ما أبطأك؟ قال استعجلت!»، وفي ذلك مداعبة ظريفة. تجد ما يقابلها في قول الكاتب الساخر الإنجليزي شسترتن: «العيب في العَجَلة أنها تتطلب من الإنسان وقتاً طويلاً»!
وكثيراً ما لعب الساخرون بعامل الأيام وأسمائها للوصول إلى نفس الغرض، فيقولون «عوضك الله بدل الخميس الجمعة». ويقول المصريون «اللي قدم السبت لقى الأحد قدامه»!
وهذا في الواقع موضوع له خيوطه في كثير من الأعمال الأدبية. من ذلك ما ورد في حكايات كانتربري لتشوسر. يقول: لا يوجد صنايعي مهما كان يستطيع أن يصنع شيئاً جيداً وسريعاً بعين الوقت. وفي مسرحية روميو وجولييت يقول شكسبير «التأني والتعقل. فمن يركض سريعاً يعثر ويقع».
ويقول في مقطع آخر من المسرحية «المفرط في العجلة يصل كالسائر ببطء». والواقع أن هذه المسرحية من أولها إلى آخرها هي درس وموعظة في المأساة التي تنتج من التسرع الصبياني.
ويقول المثل: إنها ليست بخدعة الصبي. وقد جاء في الأثر أنه مثل يعود إلى أيام ذلك الصراع القتّال الذي وقع بين بني هاشم وبني أمية عندما تأخر معاوية بن أبي سفيان عن إعطاء البيعة لخلافة الإمام علي بن أبي طالب فأرسل رضي الله عنه جرير بن عبد الله البجلي إلى الشام ليأخذ البيعة منه. فتريث معاوية فاستعجله جرير فقال له معاوية معترضاً «إنها ليست بخدعة الصبي، عن اللبن». يعني أنه يريد بعض الوقت للتبصر في الأمر. وأرسلها بذلك مثلاً عن التأني والتسرع.
الشرق الاوسط