من دولة الإمارات إلى كلية آل مكتوم للدراسات العليا في بريطانيا ينطلق برنامج التعددية الثقافية لطالبات من الإمارات، لسن أي طالبات، بل المتفوقات والمتوقع لهن الريادة في مجالات تخصّصهن مستقبلاً.
فبرعاية كريمة من سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، نائب حاكم دبي وزير المالية، ينطلق في السنة فوجان: الأول في فبراير والثاني في يونيو ليتم التحاقهن ببرنامج أعد خصيصاً لهن على أيدي أساتذة متخصصين في الحضارة الإسلامية والإدارة والتعددية الثقافية ليتم تأهيلهن وتدريبهن على النقاش الحر مع الآخر وإعدادهن للمستقبل الوظيفي في خدمة مجتمعهن.
وحتى يكون برنامج التعددية الثقافية ملهماً وكاملاً يتم إدماج طالبات الإمارات مع طالبات من دول أخرى حتى يعكس البرنامج أهدافه ومسماه ووظيفته.
وعلى مدى سبعة عشر عاماً أثبت البرنامج نجاحه وتميّزه الأمر الذي انعكس على نوعية خريجي البرنامج وعلى تميّز الخريجات حين التحاقهن بوظائفهن لاحقاً.
هذا البرنامج والبرامج المشابهة له تحقق أهدافها في خدمة مجتمع الإمارات ذو التنوع الإثني والثقافي والذي يعد مجتمعاً مثالياً يقف شاهداً على عمق ثقافة الإمارات وتقبلها للآخر، وعلى مدى اهتمام الإمارات في تأهيل وتدريب الشباب وإعدادهم للمستقبل.
اهتمام الإمارات في تدريب وتأهيل الشباب ليس قاصراً على التدريب المهني والوظيفي، بل يمتد ليشمل تزويد الشباب بالعمق الثقافي والقيمي الذي يجعلهم قادرين على التعامل مع المستقبل ومتطلباته الحضارية بكل قدرة وعمق.
فالتاريخ يقف شاهداً على ما كان يحمله الآباء والأجداد من ثروة معرفية وقيمية أدت إلى اتصالهم بالعالم وإلى صنع مجتمع هو أساس المجتمع الذي نعيش فيه اليوم. فعلى ما بناه الأسلاف وأضاف إليه الأبناء يقف اليوم مجتمع الإمارات قوياً في بنيانه المادي والقيمي.
وفي عمق هذا البنيان تقف المرأة شاهداً على اهتمام الدولة بتمكين المرأة وعلى تزويدها، كشقيقها الرجل، بكل ما تحتاجه المرأة الحديثة من مهارات وتأهيل مهني وقيمي.
إن دولة الإمارات مدركة بأن قدرها ليس فقط في كونها حلقة وصل حضارية بين الشرق والغرب ولا في كونها مركزاً اقتصادياً مهماً بين اقتصاديات العالم الحديث، بل أيضاً وفي كونها محطة تواصل ثقافي وحضاري بين مختلف الثقافات والأعراق والإثنيات.
ولهذا فهي حريصة على الإيفاء بواجباتها الحضارية تجاه الآخر وفي تأهيل وتثقيف مواطنيها على أن يكونوا مواطنين عالمين يعكسون ديناميكية مجتمع الإمارات وحداثته وفي نفس الوقت يعكسون خصوصيته.
إن اهتمام الإمارات بالآخر وإيلاء القيم الإنسانية أهمية كبرى، تكمن في عمق ثقافة الإمارات التي أورثها لنا الأجداد.
وبالتالي فإن دولة الإمارات وهي تعطي قيم التسامح وتقبل الآخر، وتقبّل التعددية الإثنية والثقافية إنما تعمل بنفس الميثاق الذي عمل به الآباء والأجداد حينما تنقلوا بين موانئ الشرق يحملون التجارة على سفنهم ويفتحون موانئهم للسفن التجارية لكي تجلب لهم ليس فقط السلع بل أيضا ثقافة الآخر وطرزه المعمارية وطرائق حياته وطعامه وملبسه.
كل ذلك يمكن أن نستشفه بسهولة في ثقافة الإمارات المادية والمعنوية. فما أن تطأ رجل الغريب أرض الإمارات حتى يدرك بأنه ليس في مجتمع عادي بل مجتمع يتمتع بخصوصية فريدة.
فهو مجتمع ديناميكي حديث وفي نفس الوقت يتمتع بخصوصية شرقية تتضح في ثقافته وقيمه الأصيلة. فحسن الضيافة والكرم والنبل العربي وتقبل الآخر بكل رحابة صدر، هي قيم كانت موجودة في ثقافة الإمارات في الماضي وتظل اليوم جزءاً مهماً من ثقافة الإمارات الحديثة.
إن تأهيل الشباب وتدريبهم وتزويدهم بالمهارات الحياتية والقيم المجتمعية الإيجابية،هي هدف مهم من أهداف التنمية الاجتماعية في الإمارات. فالشباب هم من سيقود سفينة المستقبل اعتماداً على ما تم تأهيلهم وتعويدهم عليه.
ولهذا فإن طريق سفينة المستقبل سوف تعتمد على خارطة الطريق التي يمتلكها الشباب وطريقة تعاملهم الحضاري مع الآخر وانفتاحهم عليه وتقبلهم له. ولنا في أحداث العالم العربي الأخيرة دروس وعبر.
فقد مرت بعض المجتمعات العربية في منعطفات خطيرة نتيجة الانجراف الذي تعرض له الشباب على أيدي بعض الجماعات المتطرفة فكرياً. ولهذا فإن تجنيب الشباب الوقوع في هذه المنعطفات الخطيرة هو أهم هدف لدولة الإمارات.
فعن طريق توعية الشباب وتأهيلهم بالقيم التي تجنبهم الوقوع في المطبات هي في الواقع أهم وسيلة لتجنيب مجتمعهم التدهور الحضاري.
جريدة الاتحاد