لكل من الأسماء المشهورة أكانوا ساسة أو كتاباً أو أدباء، أو فنانين وجه آخر غير معروف كفاية عند الناس. فالسياسي معني بتقديم نفسه كرجل حازم، محنك، صاحب قرار، والأديب أو الكاتب معني بتقديم أدبه وفكره إلى الناس، بكل ما استطاع من تجويد وإقناع، وكذلك الفنان همّه أن يحظى فنه برضى الناس.
الوجه الآخر المقصود هنا، هو ذلك المتصل بالحياة الخاصة للشخصية المعنية، وبشكل رئيسي ما هي عليه من طباع وأمزجة. ومثل هذا الوجه لا يظهر إلا لمن كان قريباً من هذه الشخصية، أو معنياً بالتعرف إلى ذلك الوجه.
ويحرص بعض كتاب السيرة الغَيرية ممن يتولون كتابة سير المشاهير على أن يقوموا بإطلالات على هذا الوجه؛ لأن ذلك ينطوي على درجة من التشويق. فالناس لشدة اهتمامهم بالمشاهير يطيب لهم أن يعرفوا ما يمكن أن يدرج في خانة «الأسرار»، حتى لو لم تكن أسراراً بالفعل، وإنما هي معلومات غير متداولة أو متاحة.
وسأقف هنا عند بعض ملامح الوجه الآخر للأديب الشهير عباس محمود العقاد، اطلعت عليها في كتاب عُني واضعه، الأستاذ حزين عمر، بكتابة تاريخ من وصفهم عنوان الكتاب ب«مُلوك الضحك وحرافيش السخرية»، ويبدو أن مادة الكتاب كانت قد قدمت في الأصل كبرنامج إذاعي.
ملمحان يمكن التعرف إليهما في الوجه الآخر للعقاد، من خلال ما ورد عنه في الكتاب، هما ميله إلى البخل وإلى السخرية، وفي بعض الحالات يتلازم هذان الملمحان، كما في الحكاية التي اعتاد العقاد أن يرويها لجلاسه وأصدقائه، عن سلوك خادمه الملازم له أحمد حمزة، الذي وصفه أنيس منصور بأنه: «نكتة بشرية متحركة».
كان الخادم يعرف حرص سيده على شراء البضائع بأرخص الأسعار، وذات مرة أرسله العقّاد لشراء خيار، فوجد أن سعره قد زاد خمسة مليمات، فحار الرجل في الأمر لأنه خشي أن يشتريه بالسعر الجديد فيتعرض للتقريع من سيده، فما كان منه إلا أن اتصل به بالهاتف ليبلغه، فسأله العقاد: «وكم دفعت لقاء هذه المكالمة، فأجابه: قرشين».
لكن سخرية العقاد لا تقف عند قصّ نوادر خادمه، وإنما تبلغ حد السخرية من نفسه أيضاً، فهو يروي أنه ذهب يوماً إلى سوق الفاكهة لشراء خوخ، فوجد أن سعره تسعة قروش بزيادة قرش واحد على المعتاد، فرفض الشراء وذهب إلى سوق أبعد يباع فيه الخوخ بثمانية قروش، لكنه استقل «تاكسي» في طريق العودة دفع لسائقه عشرة قروش.
جريدة الخليج