من الشخصيات الروائية المتخيلة لا يمكن أن نعرف سوى الملامح التي رسمها الكاتب الذي «اخترع» تلك الشخصيات، وكساها لحماً وعظماً، فباتت تتحرك أمام مرآنا، كأنها شخصيات موجودة في الواقع. حتى يغيب عن أذهاننا أنها شخصيات مخترعة، لا وجود لها في الواقع، وحتى إن كان بعضها محاكاة لشخصيات واقعية، فإن صورتها في النص السردي لا يمكن أن تتطابق مع الشخصيات الواقعية.
وإن تطابقت صورتها في النص مع ما هي عليه في الواقع، فإن ثمة خللاً في أداء الكاتب، لأنه من الأفضل لنا، والحال كذلك، إما أن نقرأ سيرة هذه الشخصيات، كما نقرأ التاريخ، أو نراقب سلوكها ونتحقق من مدى «واقعية» ما جاء في النص السردي حولها، أو على لسانها.
على خلاف ذلك، فإنه عندما يستوحي كاتب ما حياة شخصية من الشخصيات في التاريخ، ويعيد بناءها أدبياً، فإنه، من حيث أراد أو لم يرد، يدفعنا تلقائياً للمقارنة بين الصورة التي رسمها هو لهذه الشخصية، وبين السيرة الفعلية، الواقعية، لها كما رواها التاريخ.
نحن نعلم، في حدود ما نقله لنا التاريخ الذي لم يُجادل، بعد، في صحته، أن هتلر أنهى حياته بالانتحار بعد أن أصبحت برلين محاصرة في نهايات الحرب العالمية الثانية، لكننا لا نعرف تفاصيل هذا الانتحار.
وهذا قد يتيح هامشاً لكاتبٍ اختار أن يكون هتلر شخصية روائية له، بأن يتخيل الطريقة التي انتحر بها: أن يكون أطلق النار من مسدسه على صدغه مثلاً، أو أن يكون ابتلع سماً، وهو بالمناسبة السيناريو الأرجح، أو أن يكون أمرَ مساعديه بتجهيز غرفة للغاز لينهي حياته داخلها، تماماً كما كان يفعل مع ضحاياه.
العلاقة بين المتخيل والواقعي كانت أحد الموضوعات التي ناقشها أمبرتو إيكو في كتابه «اعترافات روائي ناشىء»، حيث لاحظ أن الشخصيات التخيلية غير محددة، أي أننا لا نعرف عنها سوى بعض من خصائصها المعروفة، في حين أن الشخصيات الواقعية شخصيات محددة بشكلٍ كامل، وأننا قادرون على استخلاص كل خصائصها المعروفة.
لكن إيكو سرعان ما يستدرك قائلاً إنه إذا كان هذا صحيحاً من زاوية واحدة، فإنه غير صحيح من زاوية أخرى، فخصائص الشخصيات التخيلية محددة ضمن النص السردي، وهي وحدها أداتنا في التعرف عليها، قائلاً إنه، مثلاً، يجهل الكثير من الحلقات من حياة شخص قريب إليه كأبيه، فكم من أشياء فكَّر الأب فيها، ولم يقل له شيئاً عنها، وكم مرة أخفى أحزانه وتناقضاته وحالات الضعف لديه، لأنه بعد أن فارق الحياة ما زال يجهل الكثير عنه، فيما هو يعرف كل تفاصيل الشخصيات الروائية التي قرأ عنها.
يطرح إيكو السؤال التالي: هل سيكون مجدياً معرفة الطعام الذي أكله نابليون قبل انطلاق معركة من معاركه؟
المؤرخون يرون هذا غير مهم، لكن ربما يكون للأدب رأي آخر.
جريدة الخليج