علينا تخيّل الشحنة التي تنطوي عليها عبارة من نوع: «لا تنسني»، حين ترد في نهاية رسالة تبعث بها امرأة إلى رجل، أكان زوجاً أو حبيباً أو صديقاً أو حتى أخاً.
أيكون الخوف من أن ينساها الرجل المعني، هو الباعث على كتابة مثل هذا الرجاء، أو أنه الشعور بالوحدة أو الخوف منها، أو أنه الرغبة في الاطمئنان إلى أنها ليست وحيدة؟
وبالطبع، فإنها تتوقع جواباً من الرجل بعد أن تصله الرسالة، يؤكد فيه أنه لن ينساها أبداً، وأنها حاضرة في حياته، وأنه سيظل سنداً لها.
أظن أن كل هذه المعاني كانت حاضرة في ذهن الفنانة المكسيكية فريدا كالو (1907- 1945)، وهي تكتب رسالة إلى صديقها أليخاندرو جوميز أرياس، حين نعلم أن الرسالة التي وردت العبارة /الرجاء في خاتمتها، كتبتها كالو وهي في المستشفى بعد عملية جراحية صعبة أجريت لها خارج بلدها المكسيك، بعيداً عن الوطن والأهل.
في الرسالة تشرح كالو معاناتها مع الجراحة وبعدها، ولأنها رسّامة فإنها رسمت، على الرسالة نفسها، تخطيطاً لندبتين على ظهرها مع علامات تشير إلى شق عمودي طويل من أسفل الظهر إلى منتصفه.
وعلى الرغم من إشارتها إلى أن الأطباء منعوها من ممارسة أي نشاط، بما فيه الكتابة، فإنها لم تقاوم الرغبة في تدوين تلك الرسالة التي جاءت مقتضبة، مراعاة لنصائح الأطباء، أوجزت فيها حالتها الصحية، وتحياتها لأهلها، وقبل أن ترجوه بألا ينساها، كتبت تقول: «أبعث لك بحب كبير، والكثير من القبل».
الرسالة حواها كتاب ضمّ مجموعة من رسائل الفنانة، تسعفنا على استكمال ما لدينا من انطباعات حول كالو، التي سبق لنا أن تعرفنا إليها من خلال لوحاتها التي لا يكاد متحف مهم من متاحف الفن العالمي الكبرى، أن يخلو من نماذج منها، أو من خلال الفيلم العذب عن حياتها الذي أتقنت فيه سلمى الحايك تقمص شخصية كالو.
في صورة من الصور تأتي رسائل كالو، لتكون امتداداً ليومياتها التي صدرت لها ترجمة إلى العربية، فالرسائل على كل حال تكاد تكون شكلاً من اليوميات، لما تتضمنه من سرد لوقائع وتسجيل لانطباعات. وكما في لوحات كالو، وفي مسار الفيلم المصنوع عن حياتها وفي اليوميات التي دوّنتها، فإن رسائلها تجسد التقاطع بين سيرتها الشخصية الملأى بالمعاناة مع سيرة بلدها، الذي قال عنه أحد أشهر أدبائه: «المكسيك بلد مشغول من جراحه».
نقلا عن جريدة الخليج