ودّعتُ السنة في دبي، ربما أفضل الأمكنة لاستقبال السنة الطالعة، لا أريد أن أفكر في بيروت، أرضي وشبابي، لكن في مقاييس الحياة والطمأنينة والأداء، ليس أفضل من هذه البقعة التي أصبحت شيئاً من نيويورك، وشيئاً من «سيليكون فالي»، وقطاراً مثل ترام كولونيا، لولا أنه شوه بحمام من الإعلانات المزرية.
ودبي لا تودع عاماً واحداً، بل تختتم وداعات زايد بن سلطان. تطل صورته الباسمة والطيبة من كل الأمكنة في مئوية رجل أسس لإحدى أهم الدول الحديثة والتجارب العمرانية في العالم. جمع زايد مجموعة دول صغيرة وأقام منها دولة كبيرة. وحول الإمارات «المتصالحة» إلى اتحاد حقيقي متشابه ومتناسق. وتحت راية العروبة وفي مفهومها الإنساني البسيط والعميق، أعطى الدولة الجديدة مقامها ودورها وسياستها.
احتفلت عجمان بمئوية زايد مثل أبو ظبي. ودبي، هذه «الأعجوبة» المثيرة، تصدرت مظاهر الوفاء لدور المؤسس الذي بسط روح المساواة بين الجميع. ولا يهم كم يوماً تقضي في دبي، ففي كل يوم فصل جديد بتوقيع محمد بن راشد.
أو بالأحرى قصيدة جديدة، وآخرها بعنوان «مليار». والمليار هو رقم المسافر الهندي الشاب الذي هبط في مطار دبي قبل أسبوعين. وفي هذا العام مرّ العام الماضي 15 مليوناً من البوابات الإلكترونية. أنا، أسعدني المرور بالبوابة العادية، لأن ضابط الجوازات تعرّف إليَّ وتأهل «بالشرق الأوسط».
قلت في نفسي عندما قرأت قبل ثلاث سنوات أن محمد بن راشد عيّن في حكومته وزيرة للسعادة! هل هناك شيء اسمه السعادة في هذه الدنيا؟ ما هي السعادة وكيف نعرف بها؟ إنها عندما تقرأ صحيفتك كل يوم وتجد أن الحكومة قدمت كل يوم عملاً جديداً. عندما تجد أن ملايين البشر يفدون كل يوم ويدخلون بكل طمأنينة إلى بلاد آمنة. عندما تعرف أن القاضي الذي تمثل أمامه هو أيضاً محمد بن راشد، فلا يبقى أمامك سوى أن تطمئن إلى براءتك، أو تخاف من ذنبك. القانون هو أول شروط السعادة، وهو آخرها أيضاً.
بلد مليء بالسائقين من لبنان وباكستان والهند وبنغلاديش. وليس فيه «زمور» واحد ولا فيه إشارة واحدة تقول إن «الزمور» ممنوع. عليك أن تترك خلفك جميع العادات السيئة ومظاهر التخلف الخلقي. وهذه ليست في حاجة إلى تذكير. عندما وقعت جريمة سوزان تميم كان الشيخ محمد بن راشد في اليوم التالي عند الرئيس حسني مبارك. قال له سيادتك تعرف مثلي غلاء مصر علينا، لكن أمن بلادنا أغلى. رجاء أن تبلغ المسؤولين عدم إرسال أي وسيط.
جريدة الشرق الاوسط