هل تستطيع مصر استعادة محوريتها الثقافية؟ تلك أولويّة ضروريّة إذا أريد لأيّ عمل مشترك أن تقوم له قائمة. العمل المشترك لم يعد ترفاً سياسيّاً، أو كماليّات اقتصاديّة تضيف كرزة على كعكة غير واضحة المعالم.
النظرة التقليدية إلى الثقافة، لم تكن قط استراتيجيّة حتى في أزهى حقبة من القرن العشرين، والبرهان هو أن هذه المرحلة لا يحتاج انعدام التأسيس فيها إلى دليل.ببساطة: ما كتب منذ أواخر القرن التاسع عشر إلى العقد السابع الماضي، كان كفيلاً، لولا عدم التخطيط والبناء والمتابعة، بأن يجعل كل جوانب الحياة العربية تنمو معاً. لقد قال المثقفون والمفكرون كل ما يجب أن يقال. كان لديهم كمّ كبير من الأفكار الرائدة. لكن لم يحدث أن نظر أهل الثقافة إليها كقاعدة للتنمية والميادين السيادية. لهذه العلّة تعاملت التيارات السياسية مع الجماهير العربية، كمجموعات بشريّة يجب تسييرها في اتجاه معين، أي أنها في نهاية الأمر قطعان ولو كانت مكوّنة من آدميين. كانت الشعوب دائماً في نظر المنظّرين أدوات تفكّر القيادة أو الحزب نيابة عنها ويختار لها الطريق والهدف، من دون أن يكون لها رأي أو مشاركة في القرار. كل الشؤون المصيرية كانت تعقد وتبرم تحت الطاولة وراء الستار في الكواليس.
أوضاع العالم العربيّ اليوم، خير تصوير لإخراج الثقافة من دائرة الفعل الحقيقية الواقعية. اليوم بالذات يجب أن يدرك العرب أن إنكارهم لشأن الثقافة ووزنها، هو الذي فكّك المنظومة العربية مشرقا ومغربا، هو الذي جرّد مصر من المحورية الثقافية. التطوّر الطبيعي السليم، الذي لا يصبح تأسيساً بنيويّاً، يوجب أن يكون لأرض الكنانة نظراء لكل نجوم الثقافة الذين كان لهم صوت وصدى من الماء إلى الماء، طوال العقود السبعة الأولى من القرن الماضي. من هم اليوم وأين هم النظراء الجدد؟
لزوم ما يلزم: النتيجة الغرائبيّة: الثقافة لم تكن يوماً ثقافة في السلوك العربي.
جريدة الخليج