في ورقته التي قدّمها في «منتدى الأمن الثقافي» الذي عقد في عمّان بتنظيم مشترك بين مؤسستي عبدالحميد شومان وسلطان العويس، يُفرّق الأكاديمي والناقد السعودي د. سعد البازعي بين أمرين مختلفين، هما المعرفة والمعلومات. وهو تفريق مهم لإزالة اللبس المحيط بما تعارفنا على تسميته ب «ثورة المعلومات».
هذه «الثورة» ظاهرة يجب إخضاعها للنقاش الجدي برؤية نقدية، لا تجنح نحو واحد من تطرفين: الأول تسفيه هذه الثورة وازدراؤها، واعتبارها قرينة التسطيح والتفاهة وانعدام الجدية، مقارنة بما كان قائماً قبلها من أشكال إيصال للمعرفة، أضفيت عليها هالة تبلغ حد التقديس.
أما التطرف الثاني فهو التمجيد المبالغ فيه لهذه الثورة في المعلومات، كأنها نسخت ما قبلها، حد أن البعض بات يميل إلى القول إن الوسيلة الحديثة هي الرسالة، فيما نرى أن الوسيلة، حتى لو كانت من أدوات الاتصال الحديثة، ليست سوى حامل للرسالة، شأنها في ذلك شأن الكتاب أو وسائل الإعلام التقليدي. وبالتالي فإن الرسالة تختلف باختلاف الجهة أو الأفراد الذين يوجهونها.
وليس أدلّ على ذلك من أن الإنترنت بالذات باتت أحد أخطر وسائل تجنيد الشبان في التنظيمات الإرهابية المتطرفة، فانتساب هذه الوسائط إلى الثورة المعلوماتية، وكونها آخر ما عرفته ثورة الاتصالات، لم يمنعا من أن تتحول إلى حامل لأشد الأفكار رجعية ودموية ومعاداة لفكرة الحداثة ذاتها، التي بفضلها تحققت ثورة المعلومات تلك.
لكن ما استوقفني بدرجة أكبر في ورقة د. البازعي حديثه عن تأثير ثورة المعلومات على اللغات الحية، وبينها العربية، حيث لاحظ الباحث أن مفردة «تكنولوجيا» زاحمت مفردة «التقانة» أو «التقنية» وأخذت مكانها في كثير من الأحيان، بتأثيرالقرب من البوتقة التي تصاغ فيها لغة العالم الغربي.
ويعطي مثالاً آخر بعبارة «التواصل الاجتماعي» كمؤشر«على التحول الدلالي في مفردة كانت تستعمل للإشارة إلى تزاور الناس فصارت تشير إلى تبادلهم الرسائل عبر عالم افتراضي، فالاجتماعي هنا لا تشير إلى الدلالة السابقة للاجتماع، أي العيش المتقارب للأهل والأصدقاء، وإنما تشير إلى أناس لا يعرف الكثير منهم بعضهم البعض».
الأمر يمتد ليشمل ظهور ما وصفه د. البازعي ب «أخلاط لغوية» عرّف بعضها ب «العربتيني» والآخر ب «العربيزي»، يدلان من مصطلحيهما على مستوى التشكل (عربي/ لاتيني) و(عربي/ إنجليزي).
ويستشهد البازعي بقول للباحث الكويتي سعد بن طفلة العجمي يشير إلى أنه من قام بنحت هذا المصطلح «للتعريف بظاهرة في الكتابة العربية تفشت منذ ثورة الاتصالات الرقمية، وذلك باستعمال الأحرف اللاتينية بدلاً من العربية في الرسائل الرقمية»، ما يطرح تحديات غير مسبوقة أمام لغتنا العربية المطالبة بتكييف أدائها مع العالم الرقمي راهناً ومستقبلاّ.
جريدة الخليج