تحفظ صديقتي تاريخ عائلتها ومؤلفات أجدادها فرداً فرداً إلى جدها السادس مؤسس أسرتهم الذي غيّر اتجاه ثراء أجداده بتكريسه الأراضي والأموال وفق نظام الوقف الديني، لبناء مدرسة نظامية في علوم الدين بالقرن الثامن عشر الميلادي، وعلى سواحل منطقة الخليج العربي.
وبالرغم من عنايتها وحفظها شجرة عائلتها وسِير وأعمال وأقوال أجدادها، فإنها تتوقف عند جدها السادس مؤسس المدرسة، لتجهل الأخبار بعده عن الأجداد السابقين، وتبقى على حفظ الأسماء فقط حتى الجد العشرين، إلى أن قرأتْ رواية «بيبي فاطمة وأبناء الملك» التاريخية لصاحب السمو حاكم الشارقة، الصادرة في 2018 عن منشورات القاسمي، ذات المعلومات المكثفة والأحداث الغنية والمشوقة بين القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلادي، ليستوقف صديقتي أثناء القراءة والد بطلة الرواية «بيبي فاطمة»، وهو الوزير نور الدين، أو الريس، كما كان يطلق على الملاحين الكبار في الخليج… وما أثار انتباهها، حسبما كان يُحفّظها والدها تاريخ عائلتها بين المكتوب والشفهي المتناقل عبر آبائها، أن جدها التاسع يسمى نور الدين، وأنه كان صاحب أموال وأراضٍ شاسعة.
الرواية المزودة بالمصادر البحثية زودتها بمعلومات كثيرة عن الريس نور الدين، لتربطه بجدها التاسع هذا الذي عاش في القرن نفسه، وتوفي في الفترة ذاته بعد وفاة أخته لطيفه زوجة ملك مملكة هرمز عام 1591م، أي في نهاية القرن السادس عشر الميلادي، فهل يعقل بأن يكون جدها نور الدين هو الريس نور الدين؟
الريس نور الدين شخصية حقيقية من شخصيات السلطة في مملكة هرمز العربية إبان التحكم البرتغالي لها، وقبل سقوطها التالي من يد البرتغال إلى يد الإنجليز والفرس، لتفكر صديقتي طويلاً كيف لها التأكد في ظل هذا النسيان الطويل بين تخوم البحر، إن كان الريس نور الدين جدها أم لا؟
وبالطبع هو ليس فضولاً بقدر ما هو اهتمام بالجذور كما هي الثقافة العربية وغيرها من الثقافات في العالم التي تجتهد وتسعى لمعرفة الأسلاف المتوفين، وهي ممارسة قديمة للإنسان كانت تُعرف باسم عبادة السلف، أو كما يقال «سلف التبجيل»، فلم يكن أمام صديقتي فرصة سوى الفحص الجيني «دي إن إيه» من خلال مكتبهم المعروف في قلب مدينة دبي بالقرب من برج خليفة، وها هي تنتظر النتيجة.
الجدير بالذكر أن «بيبي فاطمة» بنت الريس نور الدين والدتها «سيدة النساء» ذات الحسن الباهر من البحرين، وهي أرملة القاضي الدليمي الملقب لدى البرتغاليين بـ«الدولمتشي»، حيث تزوجت بعد وفاة زوجها الريس نور الدين من ملك مملكة هرمز «فروغ شاه»، أما بيبي فاطمة التي يعود أصلها إلى الأشراف العرب، والمتزوجة بابن عمتها لطيفة، فتم تعيين ابنها الأمير محمد شاه بن توران قاضياً على صحار عام 1623م، بعد أن استعادها القائد البرتغالي «روي فرير دي أندراد» من يد الفرس.
جريدة البيان