ناقش معرض الكتاب الإماراتي الذي نظّمت دورته الأولى هيئة الشارقة للكتاب بالتعاون مع اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، أثر الحِراك المسرحي الإماراتي في تشكيل المشهد الثقافي في دولة الإمارات، والشخصيات التي لعبت دوراً محورياً في النهوض به، إلى جانب استعراض الخط التاريخي الذي مرّ به والمنعطفات التي خاضها على امتداد مسيرة طويلة تصل إلى أربعين عاماً من العطاء والإبداع.
جاء ذلك خلال ندوة حوارية تحت عنوان “الحركة المسرحية في الإمارات” استضافت كلّاً من إسماعيل عبدالله، رئيس الهيئة العربية للمسرح، والممثل الدكتور حبيب غلوم، اللذين ناقشا المراحل التاريخية التي أوصلت المسرح الإماراتي لما هو عليه اليوم، وتحدثوا عن الرموز والأسماء التي نهضت وساهمت في الارتقاء به وتركت بصمة على خشبته، إلى جانب مناقشة أسباب الضعف والمعوقات التي مرّ بها ووضع الحلول الناجحة للنهوض بواقع المسرح مستقبلاً.
واستهل إسماعيل عبد الله، حديثه بالإشارة إلى أن بداية المسرح كانت على يد واثق السامرائي، العراقي الذي ترك بصمة لا تنسى على خشبة المسرح المحلي، مؤكداً الدور الكبير والمحوري الذي صنعه السامرائي في المسرح الإماراتي تحديداً في إمارة الشارقة.
وتابع رئيس الهيئة العربية للمسرح: “عقد الثمانينات شكل الملامح الأولى للمسرح في الدولة، في السبعينيات كان هناك محاولات خجولة، ومع قيام دولة الإمارات وحضور مؤسسات الدولة كان لوزارة الثقافة والإعلام آنذاك دور كبير في احتضان المسرح، بل ساهمت بصورة فاعلة في الارتقاء بدوره ووضعه على طريق مختلف ساهم في زيادة الاهتمام به وسلطت الضوء على حضوره وبرزت مكانته بشكل أكبر”.
وأضاف:” شهد العام 1981 قراراً مهماً أصدرته وزارة الثقافة آنذاك، وتجلى في تفريغ المسرحيين للعمل بوزارة الإعلام بشكل منتظم، وظل هذا القرار حتى العام 1992، وخلال هذه الأعوام مرّ على المسرح تيارات تجديد قادها المنصف السويسي، وجلبت معها أصواتاً جديدة ليكونوا منشطين للحراك المسرحي أمثال إبراهيم جلال وغيره، وفي العام 1982 حصل في المسرح انحراف عن المسار، الذي أسس له السويسي وصقر رشود وإبراهيم جلال وهشام رستم وغيرهم، حيث شكل حالة جديدة للمسرح المحلي ولم يكن المجتمع متهيئاً بعد لهذا النوع من التجديد ما ساهم في عزوف الكثير عن العمل المسرحي وحضوره ووجد الجمهور نفسه غريباً عن هذا المشهد”.
وأكمل رئيس الهيئة العربية للمسرح: “كنا نفتقد للكثير من الإمكانيات والأدوات التي تخولنا لإنتاج مسرح محلي، لكن العام 1983 شهد خلطة سحرية قادها فؤاد الشرقي من خلال مسرحيته (هالشكل يا زعفران) التي وجدت ترحيباً كبيراً من الأوساط الجماهيرية وكان العمل يحمل رؤية جديدة سواء على صعيد الفكرة أو الإخراج أعقبه منعطف مهم تجلى في اطلاق أيام الشارقة المسرحية في العام 1984 وكان هذا نتاج رؤية محورية قادها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، عندما وجد أنه لابد من الاحتفاء بهذا الحراك الثقافي المهم الذي يحظى حتى هذه اللحظة برعاية وتقدير ودعم كبير من سموه تجاوز بعده المحلي ليصل إلى الوطن العربي جعلنا نؤمن أن المسرح نافذتنا إلى العالم”.
وأشار عبد الله إلى أن تأسيس جمعية المسرحيين الإماراتيين ساهم في تنظيم العمل المسرحي وضاعف من حضوره وجمع الكثير من الأعضاء والمبدعين في هذا المجال تحت سقف واحد وكان حاضنة حيويّة لهذه الطاقات وصولاً إلى قرار صاحب السمو حاكم الشارقة بإنشاء الهيئة العربية للمسرح التي باتت الآن مظلة محلية وعربية للمسرح والعاملين به.
من جانبه أشار الدكتور الممثل حبيب غلوم إلى أن المسرح الإماراتي انطلق من الشارقة، فالإمارة رائدة في العمل المسرحي ومنها بزغ فجر العطاء والإبداع على خشبة المسرح، مؤكداً أن جهود صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، أثمرت حركة نهضوية شاملة للمسرح تجاوزت حدود الإمارة ووصلت إلى مدن عربية عريقة في مجال المسرح.
وتابع غلوم: “عندما جاء المنصف السويسي من تونس حمل لنا خبراته وحصيلة تاريخ طويل وعريق يعيشه المسرح في تونس وأي عامل في مجال المسرح يعي أهمية المسرح التونسي، لكننا في الدولة واجهنا تحديات عديدة كان أبرزها أن الكثير من العاملين في مجال المسرح اتجهوا لتقديم نوع واحد من الأعمال المسرحية التي استندت على طرح واحد لا بديل عنه ما أوجد حالة من القصور، ونحن اليوم نأمل أن يكون هناك حراكاً مسرحياً في الدولة في ظل جهود الشارقة الكبيرة في دعم المسرح”.
وأضاف:” لدينا الكثير من الطاقات الإبداعية في مجال المسرح سواء على صعيد الكتابة أو الإخراج بالرغم من وجود بعض التفاوت في المسائل والفنيات الإخراجية، وما زلنا إلى اليوم لا يوجد لدينا سوى لون مسرحي واحد سواء كان معتمداً على التراث أو على اللهجة المحكية بشكلها الصرف أو غيرها بالرغم من كثرة المناهج لكننا لا نجتهد ولا نبحث، ومازال المخرج ذو الخبرة يتعامل مع المسرح كهواية والعديد من المشتغلين على خشبته لا ينتبهون لأهمية حضور الندوات والحواريات التي تسلط الضوء على واقع وتحديات المسرح لتستفيد منها”.
ولفت غلوم إلى أهمية أن يستفيد العامل في مجال المسرح سواء كان كاتباً أو مخرجاً من تجارب غيره وعليه أن يخطو خطوات واسعة نحو الأمام للتجديد والاجتهاد والبحث عن مضامين إبداعية تثري هذا الحراك الذي وصفه بأنه كبير وعريق وله تاريخ طويل ينطلق من إمارة الشارقة التي باتت اليوم سفيرة للثقافة وللأدب والمعرفة من الإمارات للعرب والعالم بأسره.