سأل الكاتب التونسي حسونة المصباحي، الموسيقار اليوناني الشهير ميكيس ثيودراكيس، في حوارٍ قديم أجراه معه أثناء زيارة له لتونس، عن سرّ نجاحه الهائل في وضع موسيقى لفيلم «زوربا اليوناني» فأجابه: «لم يكن الأمر صعباً عليّ.. فعندما قرأت الرواية، شعرت أن زوربا العاشق للحياة والفن يشبهني كثيراً، بل هو أنا! نعم أنا ولا أحد غيري!».
الكثيرون منا، إن لم يكن غالبيتنا، قرؤوا رواية «زوربا اليوناني»، لمؤلفها نيكوس كازانتزاكيس، أو شاهدوا الفيلم المأخوذ عنها، الذي يحمل اسمها، وفيه أدى أنطوني كوين دور اليكسيس زوربا، بطل الرواية، حيث رقص الرقصة الشهيرة التي وضع ثيوردراكيس موسيقاها، لتعزف على آلة البزق اليونانية.
على موقع «يوتيوب» نجد فيديو لحفلة أقامها ثيودراكيس في ميونيخ، في منتصف تسعينات القرن الماضي، لتقديم مختارات من أعماله، نفاجأ خلالها، بصعود مباغت من أنطوني كوين، الذي كان يومها في الثمانين من عمره، إلى المسرح، حيث يقف ثيودراكيس أمام الفرقة الموسيقية، ليعانقه، محيياً إياه بحرارة، قبل أن تعزف الفرقة موسيقى «زوربا»، فتشتبك ذراعا الصديقين في أداء الرقصة الشهيرة، وسط تصفيق منقطع النظير من الحضور، لأن ما يرونه ذكّرهم بمشهد كوين الشهير في الفيلم، يوم كان لما يزل شاباً.
طالما اعتبر أنطوني كوين أن دوره في هذا الفيلم هو من أهم أدواره السينمائية على الإطلاق، ويقرّ الكثيرون أن الموسيقى التصويرية للفيلم، بما فيها موسيقى الرقصة التي أداها كوين، قد طغت على شهرة الفيلم نفسه، وهي الموسيقى التي تحولت إلى رمز للثقافة اليونانية، لنجاحها في المزج بين العناصر الفولكلورية والحداثة.
بطل الرواية شخص بسيط، مقبل على الحياة ومتعلق بها، يلتقي في طريقه إلى جزيرة كريت، التي هي بالمناسبة مسقط رأس الكاتب، رجلاً إنجليزيّاً متعلّماً ومحافظاً وشغوفاً بالكتب يُدعى بازل، فيدعوه الأخير لإدارة منجم للفحم ورثه عن والده، لشدة ما انبهر بشخصيته، التي كانت نقيض شخصية بازل نفسه، فزوربا يعتبر الحياة هي كتابه المفتوح الذي منه يتعلّم، لذلك يقول له، في أحد الحوارات: «ما فائدة كلّ هذه الكتب اللعينة؟ أنت تفكّر كثيراً لأنك تقرأ وهذه مشكلة»، محرضاً إياه على أن يخرج من صومعته، ليعيش الحياة من حوله.
ميكيس ثيودراكيس، واضع موسيقى الفيلم، الذي قال إن زوربا يشبهه، لدرجة أنه هو نفسه، ولا أحد غيره، جمع إلى عبقريته الموسيقية وروحه «الزوربية»، الحرة، التي لا تطيق القيود، صفة السياسي والمناضل ضد أنظمة الحكم العسكرية في بلاده، ما كلّفه سنوات من السجن، وسنوات أخرى من المنفى، وبعد ذلك سيصبح صوتاً مدوياً في البرلمان لعدة دورات، لا بل ورئيساً له لدورتين، وفي وقت من الأوقات، أصبح وزيراً للثقافة، وكاد أن يصبح رئيساً لليونان لولا أنه قاوم ضغوطاً مورست عليه للترشح للرئاسة.
جريدة الخليج