تعرف العرب الحماقة بأنها: ضعف عقل وقِلَّة تمييز وتصرُّف أَخْرق، خالٍ من التَّفكير والحِكْمة. ولهذا قيل «إلا الحماقة أعيت من يداويها».
وإذا كانت حماقة الأفراد المتعلقة بحياتهم أمر يخصهم وآثاره وقفاً عليهم، فإن حماقات الدول والجماعات، يلقي بخطره على التاريخ العام أو التاريخ الخاص، فليس أخطر على البشر من الحماقات التاريخية.
فالمنطقة العربية كلها تعاني من حماقة الحركة الصهيونية، التي عبر مصالح وثيقة مع بريطانيا، أقامت دولة إسرائيل على أرض فلسطين.
منذ سبعين عاماً على ولادة هذا الكيان بعد حرب 1948، والمنطقة العربية في حال حرب متعددة الإشكال. قامت الثورة الفلسطينية عام 1965، وجرت حرب حزيران عام 1967، واشتعلت حرب تشرين 1973، وشنت إسرائيل سلسة حروب على لبنان، وانفجرت انتفاضة الشعب الفلسطيني عام 1987، وما زالت إسرائيل تواجه كفاح الفلسطيني بالقوة المسلحة.
وليس هناك لأحد أن يتوقع نهاية الصراع، ما بقيت هذه الدولة العنصرية. أي حماقة هذه تفوق حماقة إنشاء دولة صهيونية على أرض فلسطين؟!
تأمل أيها القارئ العزيز، الحماقة التي اقترفتها الجماعة الحاكمة في دمشق، حين واجهت بالسلاح والقتل جمهور المتظاهرين في مدن سوريا وقراها. وتأمل وضع البلاد الآن؟، إيران وروسيا وأميركا وتركيا وإسرائيل، خمس دول تعمل على تحديد مصير سوريا، ناهيك عن عشرات المليشيات المحلية والخارجية، التي تعيث فساداً في البلاد والعباد. أي حماقة هذه التي اقترفت في سياسة القتل، عوضاً عن عقل يستجيب لنداء التاريخ.
وانظر إلى الجماعة الحوثية، المثال الأبرز على الحماقة التاريخية، التي قضت على الحل السياسي الذي كان في طريقة للتحقق. فالحوثية جماعة أصولية أقلوية، شأنها شأن “القاعدة” و”داعش” و”حزب الله”، تسعى لحكم اليمن من شماله إلى جنوبه بالقوة العسكرية، معتمدة على تسليح وأشكال متعددة من الدعم المالي والمعنوي الإيراني. ولقد استطاع الحوثيون خلال فترة قصيرة، احتلال اليمن، ظناً منهم أنهم عبر قوة عسكرية قادرة على حكم اليمن، وكانت أشبه باحتلال “داعش” للأنبار والموصل والرقة. غير أن الحوثيين، لم يفكروا أبداً بالأغلبية اليمنية في الشمال والجنوب، لم يفكروا بالمحيط العربي السعودي والخليجي، الذي تعتبر اليمن جزءاً لا يتجزأ من محيطه التاريخي والأمني، ولهذا، سرعان ما انهزموا في أغلب الجبهات، ولن تقوم لهم قائمة بعد الْيَوْم. أي حماقة أكثر بلادة من حماقة الحوثيين في تاريخ اليمن.
هذا المطلب، الذي يسعى إلى تحقيقه الحوثيون، ضرب من الوهم، وضرب من الوعي المستحيل. وإذا ما استمر الحوثيون على هذا النحو من التفكير والعمل، فإنهم لا محالة سيكونون القصة الأبرز من قصص تاريخ الحماقة السياسية.
وليس هناك حماقة تفوق حماقات الحركات الأصولية العنفية أو غير العنفية، لأنها حماقات تسعى لتحقيق ما هو مستحيل، ألا وهو القضاء على الحاضر والمستقبل المطابقين لمنطق السيرورة التاريخية.
فـ”أحزاب الله” في لبنان والعراق، و”داعش” و”النصرة”، و”الإخوان” وما شابه ذلك، هذه الأحزاب والحركات المتطفلة على التاريخ، تسعى عبر القوة المسلحة وتزييف الوعي والتضحيات المجانية، إلى ما ليس يمكن أن يتحقق، فاستدعاء الميت من الحياة الماضية، ضرب من الحماقة المدمرة للحياة المعيشة، ومستقبل الحضارة المنشودة عربياً.
إننا، نحن العرب، الذين ندفع ثمناً باهظاً جراء هذه الحماقات التاريخية، ونسعى للقضاء عليها، وعلى آثارها المدمرة، نحتاج إلى جهد مشترك، جهد مادي ومعنوي، وعقلانية صارمة، وتفكير بمستقبل واحد. فلقد أثبتت الحماقات التاريخية، أن أثرها السيئ عام على الجميع، وأن الترابط بين مجتمعاتنا، أكثر قوة مما كنّا نظن.
جريدة البيان