لوهلة ينتابنا الشعور بأن رموز مرحلة كاملة من تاريخنا السياسي والثقافي يغادروننا الواحد تلو الآخر، كأنهم بهذا الرحيل يذكروننا بأننا فقدنا ونفقد ما تبقى من وهج تلك المرحلة، التي مهما قيل في نقدها ونقد المشاركين في صنعها، حملت مشاريع وبرامج طموحة، تقدمية الطابع، انطلقت من مثل عليا، نبيلة، فتبنت أهداف الخلاص من التبعية للأجنبي المستعمر، الناهب للثروات، والمصمم على أن تظل بلداننا متخلفة، وجعلت من السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية وإطلاق الحريات الديمقراطية أهدافاً ثابتة لا تحيد عنها.
والأهم من ذلك أن رجال ونساء تلك المرحلة دفعوا، غالياً، ضريبة مواقفهم هاته، بما تعرضوا له من قمع وتنكيل وقضوا السنوات الطوال في السجون، ذوداً عما آمنوا به، وحين استعادوا حريتهم واصلوا السير على الدرب ذاته.
بعد الصحفي الكبير صلاح عيسى، والمفكر سمير أمين، غادر دنيانا، قبل يومين، المناضل والكاتب المعروف حسين عبد الرازق، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع المصري وأحد أبرز مؤسسيه، ووجوهه القيادية، ورئيس مؤسسة خالد محيي الدين للثقافة، واختير في سبتمبر 2013 عضواً في لجنة الخمسين التي وضعت الدستور المصري الجديد. ومن موقعه في اللجنة، أكّد على الديمقراطية والتعددية الحزبية، وذاد عن حرية الصحافة ودورها انطلاقاً من تجربته المديدة في العمل الصحفي.
ولد حسين عبدالرازق في 4 نوفمبر 1936 وتخرّج في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وكرّس أكثر من ستين عاماً متواصلة من حياته في النضال السياسي والصحفي والنقابي والحزبي، وظلّ حاضراً بمواقفه وبكتاباته في مختلف المحطات والمنعطفات التي مرت بها مصر خلال تلك السنوات.
وللراحل المكانة نفسها من الاحترام والتقدير في العالم العربي التي له في وطنه مصر، فهو معروف كأحد الوجوه البارزة في حركة التحرر الوطني العربية، وفي نصرة القضايا العادلة للعرب، وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني.
وتذكر سيرته أنه بدأ عمله الصحفي في جريدة الأخبار محرراً متخصصاً ومتابعاً لملفات ثورات وحركات التحرر الوطني ضد الاستعمار والصهيونية في فلسطين والجزائر واليمن، فضلاً عن البعد الأممي في موقفه المناصر لقضايا فيتنام وكوبا، وعدد من الدول الإفريقية والآسيوية وأمريكا اللاتينية، وكان عضواً مؤثراً في اللجنة المصرية للسلام، ضمن حركة السلام العالمي المعادية للاستعمار.
على الصعيد المهني عرف الراحل كأحد الوجوه البارزة في الصحافة المصرية، ليس فقط بصفته كاتباً متميزاً، وإنما أيضاً بدوره النقابي، فانتخب لأكثر من دورة في عضوية مجلس نقابة الصحفيين وعمل مع نقيب الصحفيين كامل زهيري، وتولى رئاسة تحرير جريدة الأهالي في الفترة من 1982 حتى 1987، وخاضت الجريدة في عهده معارك صحفية متواصلة ضد الفساد والاستبداد والاستغلال والاحتكار.
زوجة الراحل الكاتبة المعروفة فريدة النقاش، قالت، في وداعه، إن الراحل واجه المرض بشجاعة كعادته دائماً في مواجهة الأمور.
جريدة الخليج