انطلقت أمس فعاليات الدورة الثانية من منتدى أبوظبي للنشر الذي تنظمه دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي في الفترة من 28 إلى 30 يناير/ كانون الثاني الحالي، تحت شعار «مستقبل النشر الإلكتروني: التقنيات والتحديات- تجارب عالمية»، بحضور محمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة، وسيف سعيد غباش وكيل الدائرة، وسط مشاركة واسعة على المستويين الإقليمي والعالمي لنخبة من الخبراء والمختصين في صناعة النشر من 27 دولة من مختلف أنحاء العالم، إلى جانب عدد من المنظمات الدولية والعربية والشركات المؤثرة في هذه الصناعة، ويتحدث في جلسات المنتدى الرئيسة ما يقرب من 55 متحدثاً، بالإضافة إلى المشاركين في ورش العمل المصاحبة.
وشهد اليوم الأول من فعاليات المنتدى افتتاح المعرض التقني المصاحب له، والذي يقدم أحدث تقنيات النشر الرقمي، ويهدف إلى فتح المجال لكبريات الشركات الدولية والإقليمية العاملة في صناعة الكتاب الرقمي والمسموع، وتحقيق التواصل بين العاملين من مختلف أنحاء العالم.
وقال غباش في كلمته خلال افتتاح المنتدى: «يجمعنا منتدى أبوظبي للنشر هذا العام، لنبحث في طرق التحفيز والحفاظ على التطوّر الحاصل في مجال اقتصاد المعرفة القائم على الاستخدام الذكي لكل الإمكانات المتاحة بفعل التطور التكنولوجي والإلكتروني، وهذا ما ندركهُ جيداً في دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، ونعمل عليه من خلال شروعِنا بإطلاق خطط نشر إلكترونية واعدة محلياً تحتفي بالمنجز الثقافي وكبار الأدباء والمفكرين، وترعى في الوقت ذاته، المواهب الإماراتية الشابة وتستثمر فيها».
وأشار إلى أن المشاركين في المنتدى سيناقشون سبل الارتقاء بالنشر كصناعة محورية في اقتصادات الاستدامة، ومراحل تطورها عبر الزمن، ويبحثون فكرة «اقتصاديات الثقافة والمعرفة» إبرازاً للهوية الوطنية لبلدان جميع المشاركين والمتحدثين، وتأكيداً للخصوصية الثقافية التي تستلهم تفردها من إرثها المعرفي وموروثها الشعبي وملامح وجودها التاريخي عبر العصور.
وأضاف: «يكفينا أن نشير إلى أن صناعة النشر الإلكتروني والرقمي في الإمارات حققت نمواً ملحوظاً، كوننا نسابق الزمن في هذا المجال الحيوي كما في المجالات الأخرى كلها، وخصوصاً مع حضور الاستراتيجية الوطنية للقراءة ومبادرات القراءة العديدة، كمحفّز هام لتنمية العقول وتوسيع مدارك الناشئة وخلق مجتمع قارئ مثقف منفتح على ثقافة الآخر ومتسامح، وتؤكد لنا هذه الحقيقة، المقارنة البسيطة بين عدد القراء للمحتوى المعرفي المنشور ورقياً أو إلكترونياً بين الأمس واليوم. ولدائرة الثقافة والسياحة إنجازات في هذا المجال حيث سعت لمواكبة التكنولوجيا، وأطلقت العديد من المبادرات المتخصصة، منها مبادرة «التحول الرقمي».
وأوضح غباش أنّ المنتدى من خلال جلساته المتنوعة يتطرق إلى أحدث المواضيع في عالم صناعة النشر الإلكتروني، بما يسهم في استكشاف الفرص الكثيرة الواعدة التي يقدّمها النشر الإلكتروني كونَه الوسيلة العابرة للحدود والجغرافيا واللغات، والوسيلة الأكثر انتشاراً وقابليةً لدى فئات الشباب المقبلين على التكنولوجيا وما تتيحه لهم من إمكانات الاطلاع السريع والاستكشاف الذكي والتعلُّم والتطوير الذاتي.
جلسات اليوم الأول
استهل المنتدى جلسات يومه الأول بجلسة «تاريخ القراءة»، التي أدارتها عهود الخولاني، واستعرض فيها موريتز فان دين بوغيرت رئيس برامج دراسات العالم الإسلامي ومنطقة الشرق الأوسط في دار نشر رويال بريل في هولندا، تاريخ القراءة منذ اختراع الكتابة المسمارية 3200 ق.م حتى الوقت الحالي، مقدماً العديد من الإحصائيات المهمة حول الأمية ومعدلات انتشارها خلال فترات زمنية مختلفة وبين شرائح عمرية مختلفة.
وجاءت الجلسة الثانية التي أدارتها إيمان حيلوز، المؤسس والرئيس التنفيذي لموقع «أبجد» للكتب الإلكترونية «الأردن»، تحت عنوان «صناعة الكتاب الإلكتروني في العالم العربي»، وتحدث فيها كل من: أروو جوو، مدير معرض سيئول الدولي للكتاب «كوريا»، وماري بيرجيرون، المدير الأعلى لترخيص المحتوى الدولي، أبيسكو لخدمات المعلومات «الولايات المتحدة»، وسيد ديجيرفي، مدير المحتوى العربي في أمازون، والكاتب محمد الغضبان «السعودية»، ود. شريف شاهين، أستاذ المكتبات وعلم المعلومات في جامعة القاهرة «مصر»، وشادي الحسن، مؤسس شركة «رفوف» للنشر الإلكتروني «الأردن»، وتناول المتحدثون عدة محاور من أبرزها المقارنة بين صناعة الكتاب الإلكتروني عربيا وعالميا، وكيفية النهوض بها عربيا.
وركزت الجلسة الثالثة على «الكتاب الصوتي العربي»، وشارك فيها: هيلينا جوستافسون، مديرة النشر العالمي في «ستوريتل» السويد، وآلاء محمد سليمان، مؤسسة شركة «مسموع» للكتب العربية الصوتية (الأردن)، وطارق البلبل، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة «بوكلافا» (كندا)، وروان بركات، مديرة شركة رنين (الأردن)، وهالة سليمان، الشريك المؤسس لتطبيق «الراوي» (البحرين)، وقدمتها الإعلامية مهرة اليعقوبي. وتناولت الجلسة عدة محاور منها بدايات الكتاب العربي الصوتي، والتحديات والصعاب التي يواجهها، وكذلك طرق نشر الكتب الصوتية العربية بين فئة الشباب.
وسلطت جلسة «دور المؤسسات غير الربحية الدولية في دعم الكتب الإلكترونية والصوتية»، الضوء على الراهن والمستقبلي في مبادرات نشر الكتب الإلكترونية والصوتية من قبل المنظمات الدولية، ودعم المنظمات الدولية للمبادرات الفردية ومبادرات الجمعيات الأهلية، وتحدث في الجلسة التي أدارها أوكتافيو كوليز، خبير اليونسكو في مجال النشر الرقمي والإعلام (الأرجنتين)، كل من الدكتور سعود هلال الحربي، وكيل وزارة التربية، ومدير عام المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الكويت)، وجوم فينسز، نائب رئيس منتدى الناشرين التعليمي في جمعية الاتحاد الدولي للناشرين (سويسرا)، ومروة عبيد العقروبي السويدي، رئيسة المجلس الإماراتي لكتب اليافعين (الإمارات)، وكارول سيل، كاتبة ومحررة في مطبعة جامعة شيكاغو (أمريكا)، وحمد العزري، رئيس قسم المصادر الإلكترونية في جامعة السلطان قابوس (سلطنة عمان).
وخُصصت الجلسة الأخيرة لمناقشة الدعم الذي يحصل عليه الكتاب الإلكتروني والمسموع، واستعراض عدد من المبادرات في هذا المجال، وأدار الجلسة التي حملت عنوان «تطور الكتاب الإلكتروني والصوتي بين الدعم الحكومي والمبادرات الفردية»، د. رشاد كمال، مستشار في منظمة الأمم المتحدة (كندا)، وتحدث فيها الدكتور راشد النعيمي، المدير التنفيذي لقطاع الشؤون الإعلامية في المجلس الوطني للإعلام (الإمارات)، وإيزابيل أبو الهول، رئيسة مهرجان الإمارات للأدب، وعبدالله ماجد آل علي، المدير التنفيذي بالإنابة لقطاع دار الكتب في دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي (الإمارات)، وفالنتينا قسيسية، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة عبدالحميد شومان (الأردن)، والدكتور مساعد بن صالح الطيار، مدير عام «المنظومة» لتقنيات النشر (السعودية). وناقشت الجلسة عدة محاور منها المشاريع الفردية في الوطن العربي، والمبادرات الحكومية الداعمة واستمراريتها.
ورش عمل
أيضاً شهد اليوم الأول انطلاق ورش العمل المصاحبة له وهي: ورشة «النشر على منصة أمازون.. آلياته وآفاقه»، وورشة «كيف نصنع كتاباً صوتياً»، وورشة «كيف تحمي كتابك الإلكتروني من القرصنة»، وورشة «مستقبل الكتاب.. القراءة عام 2050» التي قدمت استشرافاً للخطوات المتسارعة للتكنولوجيا، من شاشات وأنظمة صوت ذكية وتأثيرها في صناعة النشر، مسلّطة الضوء على النشر الذاتي وتطوره، وما بعد الكتاب الإلكتروني والمسموع، وحضور الذكاء الاصطناعي في القراءة، فيما ألقت ورشة عمل «التطبيقات التفاعلية لكتاب الطفل» الضوء على آليات تصميم وتنفيذ تطبيقات قادرة على جذب انتباه الأطفال.
تحديات القرصنة
أكد عدد من المتحدثين في المنتدى على أهمية تثقيف الجمهور للتسويق الرقمي، ليفهم الناس أن ملف»البي دي أف» ليس كتابا إلكترونيا، كما أشاروا إلى مشكلة القرصنة التي تواجه ليس فقط العالم العربي وإنما في الغرب كذلك، ونادوا بتطبيق حقوق الملكية الفكرية، لأن القرصنة تشكل تحديا كبيرا في عالم النشر الرقمي.
وأشاروا إلى أهمية استخدام الكتب الإلكترونية والمسموعة التي تسمح للشخص بأن يقوم بشيء آخر وهو يسمع، مثل قيادة السيارة أو الطهو، موضحين أن الكتب الأكثر قراءة في الولايات المتحدة هي كتب الأدب، وأن العالم العربي لديه الكثير من الأدب ليقدمه عبر الكتب الإلكترونية، رغم أن القارئ العربي تربى على ثقافة أن المحتوى الإلكتروني مجاني، وقد حاول الكثير من الأفراد أن ينشئوا منصات إلكترونية لكنهم أساءوا للنشر الإلكتروني بسبب غياب الشفافية والمصداقية.
وأضافوا أن تكلفة الإنتاج في العالم الرقمي أقل، وأن البيانات الوصفية مهمة جدا في سوق الكتب الإلكترونية، وكلما كانت موجودة كانت فرص البيع أفضل، كما أن إدارة الحقوق الرقمية مهمة جدا ويجب أخذها بعين الاعتبار، فثمة فرق بين البيانات الرقمية وبين الكتب الإلكترونية، وهناك حاجة ملحة للتواصل مع الناشرين وتشجيعهم كي يكونوا مستقلين بأنفسهم ويتحولوا إلى الكتاب الإلكتروني.
وأوضحوا أن نسبة القراء للكتب الإلكترونية في بريطانيا 29% وفي أمريكا 28% كما أن مبيعات الكتب الإلكترونية في إسبانيا تعدت 13 مليون يورو.
واقترح عدد من المتحدثين تنظيم معارض كتب عربية إلكترونية ليس من أجل إلغاء الورقي، ولكن ليعرف القارئ أنه توجد مقاييس عالمية للكتب الإلكترونية، كما طالبوا بوضع منصة إلكترونية حكومية، تساعد في ترجمة الكتب المتميزة، وأهمية توحيد أسعار الكتب الإلكترونية من قبل جهة حكومية.
وطالبوا بضرورة الاعتناء بالمبدعين وبالمحتوى، وضرورة وجود دور للحكومة، ووجود مؤسسة راعية للناشرين، ووجود مجتمع واع للنشر الإلكتروني، وتشريعات لحماية الملكية الفكرية.
ولفتوا إلى مشكلة الكتاب الأجنبي الإلكتروني في الجامعات حيث إن سعره مرتفع جدا، ولا بد من وجود منصة إلكترونية، تتيح المصادر التعليمية بالمجان.
كما تناولوا دراسة حديثة أظهرت عدد الساعات التي يستغرقها الشخص في القراءة أسبوعيا، حيث جاءت مصر والسعودية في قائمة العشر الأوائل مما يتناقض مع مقولة أن الناس لا تقرأ.
جريدة الخليج