ناقش منتدى فكري مهم عقد في العاصمة الأردنية عمّان، اليومين الماضيين بعض أوجه التحديات الكبيرة التي تواجهها الثقافة العربية اليوم.
والمنتدى عُقد بتنظيم مشترك بين مؤسسة سلطان العويس في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومؤسسة عبد الحميد شومان في الأردن، في إطار تنسيق حميد بين المؤسستين، حري به أن يكون نموذجاً يعتد به في التعاون بين المؤسسات الثقافية العربية، وشارك فيه نخبة من المثقفين والباحثين من مختلف الأقطار العربية، واتخذ من موضوع «الأمن الثقافي» عنواناً له.
والغاية هي بحث الدور الذي على الثقافة العربية أن تلعبه في مواجهة التحديات التي يطرحها عالم اليوم، الذي ينحو أكثر فأكثر نحو تنميط الثقافات الإنسانية في قالب واحد، يهدد ما فيها من تنوع.
والحق أن هذا ليس موضوعاً عربياً فحسب، وإنما هو تحدٍّ تواجهه كل الثقافات الوطنية في البلدان التي يطلق عليها وصف «النامية»، بل إن ثقافات عريقة لبلدان متقدمة في أوروبا والشرق، مثل ألمانيا وفرنسا واليابان وغيرها تشكو من طغيان نمط الثقافة الأمريكية، خاصة في مجالات كالسينما والموسيقى، على فنونها وثقافاتها الوطنية.
وفي الورقة التي قدّمتها في هذا الملتقى أوردتُ أمثلة على ذلك، بينها منح مسابقة الأوسكار في سنة ليست بعيدة جائزة لهيئة السينما الكندية على جهودها في أن يكون لكندا صوتها المتفرد، في الوقت الذي تهدد فيه اتفاقات التجارة الكندية الأمريكية ما تبقى من خصوصية للثقافة الكندية.
لكن حين يدور الحديث عن ثقافتنا العربية في منعطفنا التاريخي الراهن، فليس هذا هو التحدي الوحيد الذي نواجهه، ذلك أن «الخطر» على ثقافتنا لا يأتي فقط من مساعي التنميط الثقافي العالمي المحمول على موجة العولمة، على جديته وضرورة الوقوف عنده، وإنما يأتي أيضاً من الداخل، فالثقافة الوطنية في أي بلد عربي قرينة الكيان الوطني لهذا البلد، فلا نستطيع الحديث عن ثقافة وطنية في العراق، على سبيل المثال وليس الحصر، لو لم تكن هناك دولة وطنية اسمها العراق، بكل ما فيه من تنوع.
والثقافة الوطنية فيه هي نتاج سيرورة التفاعل والإثراء المتبادل لمكونات المجتمع نفسه كاملةً، وما يقال عن العراق ينطبق على البلدان العربية الأخرى بتجليات مختلفة، آتية من خصوصيات تطور كل مجتمع على حدة.
لكن إذا تعرضت الدولة، أي دولة، إلى خطر التفكيك أو التقسيم أو الانهيار، وتراجعت مكانة وسلطة الدولة المركزية لمصلحة البنى التقليدية السابقة لقيام الدولة من عشائر وقبائل وطوائف ومذاهب وما إلى ذلك، فإن الثقافة الوطنية تتراجع هي الأخرى، وتطغى عليها صور مشوهة من «ثقافات» محلية أو جهوية أو مذهبية وما إلى ذلك.
ومثل هذه الثقافات تتغذى من الماضي، وتعيد إنتاج ثقافته وتعبيراته، وبالتالي يطغى الفرعي والجانبي من الثقافات، المحافظ في الأغلب الأعم، على الشامل والجامع الذي تشكله الثقافة الوطنية، الموجهة نحو المستقبل.
جريدة الخليج