اختتمت يوم الخميس 27 سبتمبر 2018 في العاصمة الأردنية عمان فعاليات “ملتقى الأمن الثقافي” الذي نظمته مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية بالتعاون مع مؤسسة عبد الحميد شومان في مقر منتدى “شومان الثقافي”، واستمر على مدار يومين، بمشاركة نخبة من الكُتاب والمثقفين العرب وأصحاب الرأي.
حيث أكد المشاركون على قيمة التحصين المعرفي في حياة الأفراد والجماعات، بما يحققه للأخرين وللتاريخ والمجتمع والحياة من نتاجات ثقافية ومعرفية، معتبرين أن اللغة العربية حافظة للتراث وصمام أمان الهوية.
وقد اشتملت فعاليات اليوم الثاني (الختام) على ثلاث جلسات، الأولى أدارها د. محمد المقدادي (الأردن)، وتحدث فيها كل من: د. حسين العوري (تونس)، ود. علي الطراح (الكويت) الذي أعتبر في ورقته “دور المؤسسات الإعلامية والبرامج الجماهيرية في تنمية الوعي الثقافي”، أن المرحلة التي نمر بها “حاسمة”؛ لكونها تحمل بطياتها تحديات غير طبيعة تهدد الوجود الانساني بثقافته ومكوناته الحضارية.
ولفت إلى أن التقنيات السريعة اثرت بتكويننا العقلي ورسمت خطانا ورؤانا الحاضرة والمستقبلية، حتى كدنا نشعر بحصار لأفكارنا، وقيود لا نملك فكها طالما البيئة السياسية رافضة للعقلانية الإنسانية.
وبحسب الطراح، فإن الوعي بمفهومه العام يعبر عن حالة عقلية تمكننا من إدراك المحيط والذات، ومن خلاله تتكون الاتجاهات وتتحدد اشكال السلوك، وتتخذ المواقف، مبينا أن ضمن هذا المفهوم عرف ما سمي بـ “الوعي الزائف” الذي يتشكل بفضل عوامل التنشئة الاجتماعية وفق رؤية غير مطابقة مع الواقع المعاش.
بدوره، أستهل د. حسين العوري في ورقته “التراث ودوره في حفظ الهوية وتأصيلها”، بالإشارة إلى قول الكاتب العربي “ما أضاعت أمة ذكرى ثقافتها إلا ذهبت ولم يبق منها إلا أمساخُها”، متسائلا في هذا السياق، ما التراث؟ وما الهوية؟ وما طبيعة العلاقة بينهما؟ وهل التراث واحد أم متعدد؟ وهل الهوية جامدة أم حركية؟ وإذا كان التراث متعدّدا فأي وجه من وجوهه يحمي الهوية؟
الجلسة الثانية ترأسها د. إبراهيم غرايبة (الأردن)، واشتملت على ورقتين، الأولى للدكتور صلاح جرار (الأردن) بعنوان “التعليم والأمن الثقافي”، والثانية حول “الرصيد المعرفي للأمن الثقافي” للدكتورة عفاف البطاينة (الأردن).
جرار أوضح أنه مثلما يحتاج البناء العمراني إلى دعائم تسنده وتقيه خطر الانهيار، ومثلما يحتاج الجسم إلى ما يحقق مناعته وقوّته في مواجهة الأمراض والآفات، فإن العقل والروح محتاجان أيضاً إلى ما يحافظ على توازنهما وسلامتهما، وكذلك المجتمعات تحتاج إلى ما يحفظ لها أسس قيامها وبقائها واستمرارها ويحافظ على هوّيتها المتمثّلة في ثقافتها.
وبين أن الخلل الذي يلحق بالهوية والثقافة يؤدي إلى اهتزاز قواعد المجتمع وتهديد وجوده، لكنه أعتبر كذلك أن المحافظة على الهويّة الثقافية بعناصرها المختلفة وبالوسائل التي تحمي الناشئة من الانحراف الفكري والقيمي والتصدي للأخطار التي تهدد هذه الثقافة، أنتجت ما يعرف بـ “الأمن الثقافي”.
أما عفاف البطاينة فرأت أن المعرفة من مؤشرات تقدم الأمم وقدرتها على خلق مكانة اقتصادية وسياسية وعلمية تمكنها من التنافس، والحفاظ على استقلاليتها وحقها في تقرير مصيرها، وهي، بأشكالها كافة ثروة معنوية ومادية.
واعتبرت أن مفهوم الأمن الثقافي؛ هو مفهوم مرتبط بالحريات بالدرجة الأولى: حرية الأفراد والجماعات في تشكيل هويتها الشخصية والجماعية، وحرية التعبير، وحرية الاعتقاد، وحرية الفكر، والحرية في اختيار أسلوب العيش، والحق في الانتماء العرقي، وحرية الانضمام إلى المؤسسات، وحرية التجمع، والحرية في المشاركة السياسية والاجتماعية.
بينما أدار الجلسة الثالثة د. فايز الصياغ (الأردن) وتحدث فيها كل من د. سعد البازعي (السعودية) حول “أثر الانفجار المعرفي والثورة التكنولوجية على اللغة العربية”، ود. باسم الطويسي (الأردن)، ود. بثينة الخالدي (تونس).
البازعي بين أن الثورة التكنولوجية أحدثت انفجاراً معرفياً، بما تتيحه التطورات على مستوى التقنية المعاصرة بشقيها المادي والافتراضي، من خلال أجهزتها العديدة كـ “الحواسيب وأجهزة الاتصال، والمحتوى المعلوماتي/المعرفي في المواقع والشبكات والتطبيقات على اختلافها”.
واعتبر أن المعرفة التي أدت إليها التطورات في مجال التقنية ليست كل المعرفة المتاحة للبشرية وإنما هي جزء منها، رغم أنه كان كافياً لإحداث آثار مهمة على اللغات بصفة عامة، لاسيما اللغات الحية الكبرى ومنها اللغة العربية، مؤكدا أن ثمة سيولة شعبوية رافقت المستجدات التكنولوجية، مثلما رافقتها سيولة معرفية وعلمية وثقافية عامة.
من جهته، بين عادل الطويسي أن دراسة العامل الفكري والثقافي في مراحل التحولات الكبرى تساعد بشكل عام على التنبؤ بسلوك الفرد والجماعة وحتى عموم أفراد المجتمع ومدى استعداداتهم وتقبلهم لتطورات الأحداث وردود أفعالهم على الأزمات والتحولات المستقبلية.
ورأى أن شبكات الاتصال الاجتماعي لم تعد مجرد أداة اتصالية للتشبيك الاجتماعي أو وسيلة للترفيه، لكنها تقوم بدور متعدد الأبعاد، سياسي واجتماعي وثقافي، وأداة لإعادة تشكيل الهويات على مستويات مختلفة، وكذلك أداة لإعادة تشكيل الثقافات المجتمعية.
واختتمت الجلسة الثالثة مع ورقة بثينة الخالدي حول “هل الأمن الثقافي استراتيجية دفاعية”، التي اعتبرت أن الأمن الثقافي من الموضوعات الحيوية التي يطرحها الواقع العربي المعاصر، الذي عانى طويلا من الاستعمار الأوروبي وتبعيته السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وحول ماهية العولمة، بينت الخالدي أن العولمة هي طريقة غير مباشرة للسيطرة على المجتمعات غير الغربية وحملها على اعتناق ثقافاتها عندما فشلت فكرة “عبء الرجل الأبيض” في تبرير الاستعمار السياسي والاقتصادي.