قبل سنوات نشر الكاتب اليمني جمال جبران مقالاً عن البيت الذي اتخذه الشاعر الفرنسي الشهير أرتور رامبو (1854-1891) مسكناً له في مدينة عدن خلال سنوات إقامته فيها بين عامي 1880 و1891.
ويعلم المهتمون بسيرة الشاعر أنه كان كفّ عن كتابة الشعر حينه، وقرّر أن يتحول نحو التجارة، هارباً من ضجر فرنسا، فوجد في عدن ملاذاً مناسباً له رغم أنه وصفها بأنها المكان الأكثر ضجراً في العالم بعد شارلفيل، المدينة الفرنسية التي أتى منها.
استطاع رامبو أن يرى في المدينة ما لا يراه غيره، ربما لأنه ظلّ شاعراً حتى لو توقف عن كتابة الشعر، ورغم وصفه لها في رسالة إلى شقيقته، بأنها المدينة التي «لا يوجد فيها أي شجرة يابسة ولا نبات، وأنها ليست إلا فوهة بركان خامد ومغمورة كلياً بالرمال البحرية»، فإنه سرعان ما يعود إليها بعد رحلات إلى الصومال، والحبشة.
وحسب كاتب المقال فإن رامبو، في مغادرته الأخيرة لعدن أكدّ لجيرانه اليمنيين في منطقة كريتر، أنه عائد ثانية للمدينة، ليقضي ما تبقى له من عمر قرب بحرهم. «ولهذا تعمّد رامبو ترك الكثير من أغراضه الشخصية في المنزل، ولم يأخذها معه»، لكنه لم يعد؛ وحين بلغ الجيران نبأ وفاته أقاموا له مجلس عزاء، تعبيراً عن محبتهم للشاب الفرنسي الذي اختار مدينتهم مستقراً له.
غاية جبران من مقاله كانت تسليط الضوء على مسكن الشاعر في عدن الذي كان يفترض أن يظل متحفاً، وهو ما كان عليه في فترة من الفترات، فبعد أن تمّ تحديد مكان المنزل تولت الملحقية الثقافية في السفارة الفرنسية تحويله إلى مركز ثقافي، نظمت فيه ملتقيات أدبية دولية عن رامبو، وشعره.
المحزن أن السفارة الفرنسية أعلنت أنّها لم تعد تحتمل دفع إيجار البيت ليعاد إلى ملّاكه الأصليين، الذين، بدورهم، حوّلوه إلى فندق باسم «فندق رامبو»، سرعان ما أقفل. فلم يعد هناك ما يحمل اسم الشاعر، لا بيت، ولا مركز ثقافي، ولا حتى فندق.
يخطر في الذهن سؤال: أكانت فرنسا ستتصرف مع هذا البيت بالشكل نفسه لو كان على أراضيها، أو حتى في بلد أوروبي آخر؟ ألا تعكس حجة العجز عن تحمل نفقات إيجار البيت شيئاً من نظرة الاستعلاء الغربي نحو الشرق، التي لا تحتمل فكرة أن شاعراً من الغرب خلّف بلاده واختار مدينة بعيدة وجدها، على ضجرها، أقل ضجراً من حيث كان؟
جريدة الخليج