عرف عن نجيب محفوظ أنه عاش متجنباً المعارك الصغيرة ومهاترات البعض في الساحة الأدبية والثقافية؛ لكن كتاباته تشي بأنه كان دقيق الملاحظة، شديد المتابعة لما يدور، ومن ذلك بعض الذين يهبطون على الحياة الأدبية ويشغلونها دون استحقاق؛ ومن هؤلاء «جاد أبو العلا» وهو اسم اخترعه محفوظ وقدمه في «المرايا» – صدرت سنة 1972 – والمعروف أن شخصيات المرايا؛ هي انعكاس لجانب من حياة محفوظ والشخصيات التي التقاها في حياته، كل شخصية في المرايا هي صدى وظل لشخصية في الواقع.
جاد أبو العلا تعرف عليه محفوظ سنة 1960 صاحب عدة روايات، يكتب عنه النقاد بإشادة بالغة وأخباره تملأ الصحف؛ أعماله تتحول إلى مسلسلات إذاعية وأفلام سينمائية؛ كل هذا جعل محفوظ، يقرأ بعض أعماله وهاله ما قرأ، حيث قال: «لم أستطع أن أتم واحدة، ولم أجد ضرورة لقراءة ما قرأت منها بعناية أو اهتمام؛ وأدهشني أنني لم أجد عنده موهبة تذكر ولا على المستوى المحلي».
لكل هذا قرر محفوظ أن يتابع «أبو العلا» ويعرف حكايته؛ هو تاجر كبير من تجار خان الخليلي؛ لديه ثروة طائلة؛ ولكن لم يقتنع بالتجارة وثروتها وأراد أن يغزو الحياة الأدبية والفنية، وصمم على أن يكون أديباً وأن يكمل ما ينقص من موهبة بماله، وذلك بكتابة تجاربه، ثم يعرضها على المقربين من الأدباء والنقاد؛ ويجري تعديلات جوهرية مستوحاة من إرشاداتهم، بل يقبل أن يكتب له بعضهم فصولاً كاملة، ثم يدفع بالعمل إلى أهل الثقة منهم في اللغة لتهذيب الأسلوب وتصحيحه، غامراً كل صاحب فضل بالهدايا والنقود وتبعاً للظروف والأحوال.. والباقي معروف حيث يطبع العمل على نفقته؛ وبنفس الطريقة يتعهدها النقاد ثم تنتقل إلى المجال الفني من سينما وإذاعة، أغرب ما في روايات أبو العلا أن أبطال رواياته «مثل للصدق والكرامة والفضيلة».
هناك من اجتهد ولا يزال لمعرفة من هو المقصود، ومن الذي منحه محفوظ هذا الاسم؛ وأتصور أن الانشغال بهذا الأمر يهم هواة النميمة؛ نحن بإزاء حالة ونموذج قائم في الحياة الأدبية زمن محفوظ وفى زماننا هذا؛ وربما يتزايد عددهم، ولكن كشفهم نقدياً ميسور للناقد الجاد.
سوف تبقى مثل هذه النماذج موجودة ما وجد الزيف والادعاء في حياتنا عموماً؛ ولكن هؤلاء يسقطون من الذاكرة ولا يبقى منهم شيئاً؛ سوى بقايا النميمة والازدراء؛ بعضهم يموت ويختفي من الوجود حتى وهو على قيد الحياة؛ رغم شدة الطنين حولهم في بعض الأوقات والمراحل.
صحيفة الرؤية