رسائل كثيرة، تضمنها حديث صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، أثناء لقاء سموه الأسبوع الماضي مع الإعلاميين، في الأمسية الرمضانية التي نظمها المكتب الإعلامي لحكومة دبي، وحضرها لفيف من المُفكِّرين والكُتَّاب، ورؤساء تحرير الصحف الإماراتية، والقيادات الإعلامية المحلية والعربية، وممثلو المؤسسات الإعلامية العالمية العاملة في الدولة، في لقاء سنوي ينتظره جميع الإعلاميين، لأنه يلقي إضاءات على الأوضاع القائمة، وينقل رسائل مهمة من قائد ذي رؤية، ترسم لهم ملامح الطريق خلال الفترة المقبلة.
وقد كانت رسائل هذا العام مهمة ومركزة، ذات أبعاد داخلية وخارجية، صاغها سموه بعناية فائقة لتصل إلى من يستمع إليها بدقة عالية، كي تشكل خارطة طريق للمرحلة المقبلة.
أول هذه الرسائل إشعار الإعلاميين بمسؤوليتهم ودورهم المهم في مواجهة التحديات التي تواجهها المنطقة، وهو دور اختار له صاحب السمو مكانة متقدمة، فوضع الإعلام في خط الدفاع الأول لحماية المكتسبات والمنجزات الحضارية.
وهو اختيار يلقي على الإعلام والإعلاميين مسؤولية كبيرة، لأن من يقف في خط الدفاع الأول عن المكتسبات والمنجزات يجب أن يتحلى بالكثير من المواصفات، نظراً لأهمية الدور الذي يقوم به.
وفيما يتعلق بالعمل الإعلامي، تأتي مراعاة القواعد المهنية والأخلاقية في مقدمة المواصفات التي يجب أن يتحلى بها الإعلاميون. وهذا هو ما أشار إليه سموه في حديثه، من باب التذكير والتأكيد.
ولا أعتقد أن أحداً من العاملين في الإعلام الإماراتي، أو الذي ينشر ويبث من على أرض دولة الإمارات يجهل هذه الحقيقة، أو يعمل خارج إطارها. وهو ما أكسب هذا الإعلام مصداقية تفتقدها وسائل إعلام كثيرة في عالمنا اليوم، حيث تختلط الأكاذيب بالحقائق، وتطغى الشائعات على الأخبار الموثوقة.
ولعل واحداً من أكبر التحديات التي تواجه إعلامنا في عصرنا الحاضر هو مواجهة خطاب الكراهية والتطرف الذي تتبناه الكثير من الدول والجماعات ووسائل الإعلام الأخرى.
وهو خطاب خطير يشكك في الثوابت، ويزعزع القيم الدينية والإنسانية والحضارية التي تقوم عليها حياة الأمم، وتُبنى عليها المجتمعات، وتنهض بها الأوطان، وتتشكل على قاعدتها الحضارات.
ومن يقرأ التاريخ يجد أن كل الحروب والصراعات التي نشبت بين الأمم والشعوب عبر مسيرة الإنسانية إنما كانت قائمة على خطاب الكراهية الذي استخدمه الطغاة والجبابرة لغزو الشعوب الأخرى وإبادة البشر ونشر الخراب في أرجاء المعمورة.
لذلك كانت واحدة من أهم الرسائل التي حملها حديث سموه إلى الإعلاميين دعوتهم إلى تبني خطاب إعلامي متوازن، يخلو من المغالاة، ويتسم بالاعتدال، ويعلي قيم النزاهة والحياد والموضوعية في الطرح والتناول، ويبعث الأمل في النفوس. فقد دعا سموه فرسان الكلمة وأصحاب الأقلام الشريفة إلى إشهار أقلامهم للدفاع عن الحق في وجه قوى الشر، التي تتجسد في دعوات الإرهاب والتطرف، التي تمثل واحداً من أخطر التحديات التي تواجهها أمتنا والعالم أجمع.
«يملك الإعلام قدرة موازية لتحويل المحن إلى منح، والتحديات إلى فرص، والمصاعب إلى اختبارات يمكن تجاوزها بنجاح إذا ما صدقت النوايا وعلت الهمم».
هذه أيضا واحدة من أهم الرسائل التي وجهها سموه إلى الإعلاميين في اللقاء الرمضاني هذا العام.
وهي رسالة تفرض على الإعلاميين تحدياً صعباً، لأن العمل بها يتطلب جهدا كبيرا، إذ ليس هناك ما هو أسهل من قلب الصورة، وإضافة رتوش إليها تحولها إلى صورة مناقضة تماما للصورة الحقيقية.
وهذا ما تفعله بالضبط وسائل الإعلام ذات الأجندات الخبيثة، التي تعمل على تشويه الصور الجميلة، وتحويلها إلى صور أخرى لا علاقة لها بالصور الحقيقية.
هنا يأتي دور الإعلام النزيه في تصحيح الصورة التي تم تشويهها، كما يأتي دور النوايا الصادقة التي أشار إليها سموه، ودور الهمم العالية التي لا تقل شأناً عن النوايا الصادقة، لأن الرأي والعزيمة صنوان لا ينفصلان.
لذلك تلفت انتباهنا دائما النوايا غير الصادقة التي تنطلق منها بعض وسائل الإعلام ذات الأجندات المعروفة للجميع، تلك التي تجهد نفسها في البحث عن النقاط الصغيرة التي لا تُرى بالعين المجردة، وغالبا ما تقوم باختلاق هذه النقاط وصنعها، كي تصل إلى صياغة رسائلها، وتحقيق أهدافها غير النبيلة. هنا نشير إلى وعي المتلقي أيضا، وإلى الدور الذي يجب أن تلعبه وسائل الإعلام النزيهة والوطنية، والمعلومات التي يجب أن تقدمها لكشف الأكاذيب والمغالطات التي يزخر بها فضاء الإعلام المسموم والمسمم لأفكار المخدوعين بالكثير من وسائله في عصرنا الحالي.
وكانت الرسالة الأخيرة التي وجهها سموه إلى الإعلاميين، هي عدم إعطاء الفرصة للقوى الظلامية كي تنشر الأفكار الهدامة، التي من شأنها أن تفوِّت الفرصة على شعوب المنطقة للحاق بركب التطور العالمي، وذلك بالمبادرة إلى نشر الفكر المبدع الخلاق.
ولعل ما نشاهده في أيامنا هذه من دمار يعم منطقتنا العربية هو أكبر دليل على ما نشرته القوى الظلامية من فكر هدام عندما خلت لها الساحة، ووجدت فراغاً فكرياً أتاحه لها تقاعس الفكر المستنير عن ممارسة دوره، وانشغال البعض بمعاركهم الجانبية، وتركيزهم على السلبيات، وعدم محاولتهم البحث عن النماذج والتجارب الناجحة التي لا تخلو منها مجتمعاتنا، حتى لو خيّم الظلام على أنحاء كثيرة منها.
الذين يحولون المحن إلى منح في هذه الحياة قليلون، ومن هؤلاء يريدنا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أن نكون، ونعتقد أننا على ذلك قادرون.
جريدة البيان