ما هي انطباعات الآلاف الذين حضروا العرض الموسيقي الذي قدّمه أندريا بوتشيللي في أبوظبي (26/4)؟ إذا كان الحفل في نظرهم بديعاً رائعاً، وأن مغنّي الأوبرا والأغاني الرائدة كان متألقاً لامعاً، وأنهم عاشوا ملء مهجهم سعادة لا تصفها الكلمات، لكنهم لم تدر بخلدهم الرسائل الحقيقية التي أراد إيصالها إلى الجماهير إقليمياً وعالمياً، فقراءة هذا العمود تكشف لهم ما ورائيات المقاصد البوتشيلليّة.
بادئ ذي بدء، الذين يتمّنون من قومنا أن يكون في المغنّي فريد عصره، شيء ما عربيّ، يبشّرهم القلم بأن لقبه العائليّ عربيّ مبين، لولا ندرة النطق العربيّ الفصيح بين الإيطاليين، فهو «أبو التجلّي»، الذي تجلى في أمسية ظبيانية أرادها أوبرالية بامتياز، وهنا منطلق محرّك البحث عن أسرار الرسائل البوتشيلليّة. لعلّ الحاضرين قرأوا العناوين قبل الغوص في اليمّ والخضمّ. رأس الخيط: ليس شيئاً مألوفاً في عروض المغنين، أن يفاجأ الجمهور بفرقة تكوينها سيمفوني بالتمام والكمال: الوتريات، النافخات النحاسية والخشبية والآلات الإيقاعية. المعروف حتى في الأعمال الأوبراليّة التي تعرض كاملة، أن تكون فرقها محدودة قياساً على السيمفونيات والكونشرتوات. الأسباب كثيرة، ما يرتبط بالحيّز المكاني، وتقليل النفقات إلخ. مهمّ أيضاً عدد الكورال النسائي والرجالي، بالرغم من عدم لعب دور في فقرات شتّى. لكن هيبة الأوركسترا جزء حيويّ قصده بإصرار «أبو التجلّي».
«أبو التجلّي» مغنّ كامل متكامل، رائع في الأوبرا، وبديع في الأغاني، لكن حين يصرّ في الشطر الأول من العرض على أن تكون «الوصلات» كلها أوبراليّة، فذلك يحمل رسالة محسوبة بكل دقّة وتقدير وتخطيط. في هذا المستوى لا مجال للمصادفة وقول المتنبّي: «ضربت بها التيه ضربَ القمار إمّا لهذا وإمّا لذا». التأكيد بالبرهان: للتنويع وتغيير المذاق، أتى بصوت نسائيّ من السوبرانو الرفيع، فصوته صادح «تينور، الأعلى رجاليّاً، يقابله سوبرانو الأعلى نسائياً. الإصرار الأوبراليّ له معنى وغاية. بعض الأغاني المقتطفة من أعمال الأوبرا، كانت من الوزن الثقيل، الذي تبرز فيه مهارات الأداء في القمّة. تلك رسالة أخرى.
لزوم ما يلزم: النتيجة الوعدية: غداً، بإذن المولى، نستكمل الرسائل ونفتحها.
جريدة الخليج