شاهدت فيلماً من بطولة ميريل ستريب، وبعد مضي ثلثيه، أطفأت التلفزيون غاضباً ولم أستطع الاستمرار حتى نهايته. كرهت صاحب الدور الأول وطريقته وتقلبه وقسوته، أمام هذه السيدة الطيبة والجميلة وماضيها المحزن.
في اليوم التالي، وأنا ما زلت منقبضاً، فتشت عن نقد للفيلم، فاكتشفت أن الممثل الذي كرهته قد فاز عن دوره بـ«الأوسكار». واكتشفت أنني ما أزال أشاهد الأفلام مثلما كنت طفلاً. أكره البطل الشرير وأؤيد الضحية، وأن الممثل ينال الجوائز لأنه أقنعك بأن تكرهه.
من خلال قراءتي للنقاد المصريين، تبين لي أن الجمهور المصري كان يقدر إلى حد بعيد محمود المليجي وفريد شوقي والسيد «همبكة» أو توفيق الدقن، ثلاثة أشرار مجرمين داخلين محكمة خارجين من سجن. وكان يكفي أن يطل محمود المليجي على الشاشة حتى تهتز الأبدان، ويرتعب ذوو النفوس الضعيفة. وأما أنا، فقد اختصرت المسألة عندما تمنّعت عن حضور أي فيلم يمثل فيه «وحش الشاشة». بلاش أحلام مزعجة.
وعندما كان بعض الصحافيين اللبنانيين يتحدثون عن لقاءاتهم الاجتماعية مع المليجي وفريد شوقي ومتعة مجالسهما، كنت أشكك في صحة طباع الصحافيين. ثم ذات عام، جاء المليجي إلى بيروت، وصور مع «شوشو» مسلسلاً يلعب فيه الاثنان دوراً محزناً: وحش الشاشة ومضحكها الجميل.
قررت أن «أضحّي» وأشاهد المليجي ثمناً لمشاهدة شوشو. وتابعنا المسلسل نذرف الدموع، مرة وراء المليجي، مرة وراء حسن علاء الدين. نسينا تماماً أن الأول زعيم عصابة، والثاني مهرج أطفال، فإذا بكليهما سحّاب دموع، مولّع مشاعر.
ذلك هو طبعاً الممثل المتفوق، أو الفائق، بتعبير طه حسين. لكن برغم كل قناعتي بهذه البديهيات، أعود طفلاً في الأفلام الكبرى. أبكي أو أضحك أو أتألم أو أغضب، ولا أستعيد واقعي إلا عندما تسقط كلمة «النهاية» على الشاشة. وفي المسرح يتخذ تفجر المشاعر صورة أقوى. فالمسرح أمامك، والممثل أمامك، والغائب كلياً في ذلك العالم هو أنت.
الأفلام العادية والسطحية أكثر راحة بكثير. لا يهم متى تبدأ ولا متى تنتهي، ولا اسم المخرج، ولا أسماء الممثلين. وفي الماضي كان يكفي اسم المخرج لكي تقف الناس بالطوابير أمام دور السينما. والمخرجون هم الذين صنعوا مدينة اسمها هوليوود. وهم صنعوا السينما الإيطالية الماكرة. وما زالوا هم من يؤثر فيك لدرجة تخاف من إكمال الفيلم.
جريدة الشرق الاوسط