من المقالات ما تكتبه حراً ولكن مضطراً؛ لأن السكوت في هذه الحالة غير ملائم، لكن وجب التأكيد في الاستهلال على أنني وعذراً عن استخدام صيغة المتكلم التي لا أحبها واستخدمها اليوم للضرورة الفنية والموضوعية لا أكتب هذا اليوم من كوني أشغل أي موقع ثقافي وإعلامي. أعبر اليوم عن رأي شخصي خالص، من موقع المواطن والكاتب الإماراتي الحريص على اسم بلده واسم المؤسسة الثقافية الوطنية في بلاده.
الكلام عن الجائزة العالمية للرواية العالمية «البوكر» في نسخة 2019، التي أقيم حفل إعلان نتائجها مساء يوم الثلاثاء الماضي، وفازت بها الكاتبة اللبنانية هدى بركات، وهي التي ترعاها وتدعمها، وبصريح العبارة، تموّلها بلادي دولة الإمارات العربية المتحدة عبر دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي.
«البوكر» بذلك أضافت عبر السنوات الكثير المفيد الممتع إلى المشهد الثقافي في الإمارات والوطن العربي، ولذلك يجب أن نسهم جميعاً في مدها بأسباب القوة، وعدم الإسهام بأي شكل من الأشكال في تشويهها والنيل من سمعتها، وهو ما حدث هذا العام، للأسف الشديد، بسبب تصرفات غريبة من أطراف عدة، أولها الصديق الناقد والصحفي الثقافي عبده وازن. أقول الصديق وأنا أعني ذلك. تربط بين الرجل وعدد من كتاب وإعلاميي الإمارات أواصر صداقة منذ زمن بعيد، ولقد أسعدني قبل ذلك بدراسات نقدية جادة لبعض إنتاجي الشعري، لكن هذا شيء وما نحن بصدده الآن شيء آخر.
وصلت عبده وازن «تسريبة» كما سماها هو، مؤداها أن الروائية اللبنانية هدى بركات فازت بجائزة «البوكر» هذا العام، مشيراً في مقال غريب كتبه ونشره في يوم إعلان النتيجة، وأكد فيه فوز المذكورة، إلى أنها كانت «زعلانة» على الجائزة من قبل، ثم طلبت منها لجنة التحكيم الترشح بعد ما رفضت أو تمنعت.
عبده وازن يدرج هذا الفعل في «السبق الصحفي»، وقال البعض إنه في النهاية صحفي ومن حقه، وأشادت الأبواق الصحفية القطرية بهذا العمل «الاحترافي»، فهل يعد ما قام به وازن سبقاً صحفياً؟
طبعاً لا. السبق الصحفي له شروطه، وفي مقدمتها أن هناك سباقاً حتى يتحقق السبق؛ أي أن يسعى الزملاء الصحفيون لخبر أو معلومة ثم يسبق عبده وازن أو غيره، وواقع الحال أن أحداً من عشرات الصحفيين الإماراتيين والعرب الحاضرين والمتابعين لم يسع إلى ذلك، وأقصى سعي هؤلاء الصحفيين الشرفاء أن يحضر حفل إعلان النتائج فيبث النتيجة أولاً قبل غيره ثم «يتفنن» في التعليقات ونحوها.
هذا هو المعقول والمتوقع وعبده وازن يعرف ذلك جيداً. إنه لم يحصل على سبق صحفي بقدر ما نشر أو أشاع «سراً» أو «شبه سر»، هو يعلم أنه سيعلن بعد ساعات في حفل سنوي يحضره أهل القائمة القصيرة، وتعرض أفلام قصيرة عن تجربة كل واحد منهم، وهذا الحفل مكلف مادياً، بطبيعة الحال، لدائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي. أبعد من ذلك، فما قام به وازن، هو عمل مجرّم قانوناً في الإمارات؛ لأنه أضر بمصالح الدائرة الوصية والجائزة وأمانتها العامة ولجنة تحكيمها.
نعم العمل المجرّم الأول هو من سرب الخبر سواء كان عضو لجنة تحكيم أو موظفاً، وعبده وازن يعرفه جيداً، والأمل رفع دعوى قانونية عاجلة على من نشر وهو يعلم الآثار السلبية المتوقعة لسلوكه الغريب. ليس سبقاً صحفياً؛ بل هو التعدي السافر الصريح على حرية الصحافة وعلى أخلاقيات المهنة الصحفية المحترمة.
في كلمتها الغريبة، عبرت بركات، في لغة مرفوضة، عن ترفعها على الجائزة، وأنها كانت «زعلانة» على الجائزة؛ لأنها لم تصل إلى القائمة القصيرة في العام 2013، وأنها ترددت عندما طلبت منها لجنة التحكيم الترشح لنسخة هذا العام؛ لأنها ستكون حزينة و«تزعل» «إذا ما اختاروني»، فهل يعقل؟
وقيل إن نظام الجائزة يسمح بأن تطلب لجنة التحكيم مرشحاً جديداً إذا وجدت في الروايات التي بين يديها ضعفاً، ما يوجب في التقدير السوي مراجعة وإلغاء هذا البند، بعد تجربة «البوكر» هذا العام، حيث يرى البعض البعض الكثير أن «بريد الليل» ليست الرواية الأهم أو الأقوى بين الروايات المرشحة، ثم إن اعتبار خمس روايات وصلت إلى القائمة القصيرة ضعيفة لتُعزز برواية سادسة تطلبها ثم تختارها لجنة التحكيم يشي بشيء قليل أو كثير من الإقصاء والتحيز المسبقين، كما ينبئ عن تناقض في خطاب وعمل لجنة التحكيم نفسها.
ليس تشكيكاً في لجنة التحكيم المحترمة، لكنها أسئلة الملابسات والمستجدات. أضف إلى ذلك، أن المأمول مطالبة لجنة التحكيم بما أطالب به ومعي كثيرون. لا بد من التحقيق حتى لا يؤخذ الكل في نظر الرأي العام على الأقل بجريرة البعض، سواء تمثل ذلك البعض في عضو أو أكثر من اللجنة، أو موظف من خارجها. الشفافية هنا غاية ملحة.
وقيل إن الروائية والإعلامية العراقية إنعام كجه جي، التي وصلت هذا العام إلى القائمة القصيرة للمرة الثالثة، اعتذرت عن عدم حضور حفل إعلان النتائج وبقيت في غرفتها بالفندق. أقول معها حق، مكرراً إدانة عبده وازن؛ إذ كيف تحضر حفلاً حوّله المذكور، سعياً وراء «سبق صحفي مزيف» إلى تمثيلية؟
غير ذلك، بعيداً عن حفل «البوكر»، قريباً منه، اكتشفنا مدونات كانت كتبتها ونشرتها المرشحة في القائمة القصيرة في «بوكر هذا العام» كفى الزعبي، فهي ببساطة شديدة تربط بين الخليجيين والصهاينة، مؤكدة أن الخليجيين لا يمتلكون إرثاً حضارياً، وأنهم الأعداء الحقيقيون للعرب.
كلام الزعبي البسيط والتافه والفج لا يستحق الرد، لكن تنبيه القائمين على الجوائز واجب. هل تُدرس النصوص وحدها دون سير وشخصيات المتقدمين. ألم نتعلم من التجربة وفي المنطقة المعتمة من الذاكرة أمثال سعدي يوسف والشبرمي؟
جريدة الخليج