يأتي شبيه المثقف إلى الندوة المعلن عنها. قد يعرف شبيه المثقف اسم المحاضر، وقد يكون قرأ شيئاً أو سمع عن موضوع المحاضرة لكنه لا يفقه فيه شيئاً. غايته من المجيء ليست الاستفادة مما سيقوله المحاضر الذي قد يضيء زاوية معتمة، أو يقدّم معلومات غير معروفة، أو استنتاجات جديرة بالاهتمام.
شبيه المثقف لا يحتاج إلى أن يتعلم. مثله لا يتعلم إنما يُعّلم، ولا بأس أن يُعّلم العالمين أيضاً.
ينتخب لنفسه مكاناً في الصف الأول في القاعة. دون الصف الأول لا يليق بمقامه. وإن حدث وتأخر في المجيء قليلاً ووجد كراسي الصف الأول مشغولة، فلا كرسي شاغراً فيه، بحث لنفسه عن زاوية مناسبة للجلوس في القاعة بحيث تتجه نحوه الأنظار، في لحظةٍ قادمة.
لا يصغي شبيه المثقف إلى المحاضر، ولا يتابع ما يقول. مثله أكبر من أن يفعل هذا. وفيما المحاضر يخاطب الحاضرين، فإن شبيه المثقف منهمك في تصفح هاتفه المحمول. شكراً ل «جوجل»! ما عليه إلا أن يضع موضوع المحاضرة في خانة البحث، فيرشده أول ما يرشده إلى «ويكبيديا». شكراً ل «ويكبيديا»!
ثمة شذرات متفرقة، غير دقيقة في الكثير من الحالات، عن الموضوع. ثمة بعض الأسماء والتواريخ أيضاً.
أتت «اللحظة القادمة» التي أشرنا إليها أعلاه. مدير الحوار يشكر المحاضر على ما تفضّل به، ويفتح باب المناقشة للراغبين من الحضور. يد شبيه المثقف هي أول يد ترفع من بين أيدي الحاضرين. وها هو الميكروفون بين يديه.
يبدأ كلامه بالاستغراب من أن المحاضر لم يعرفنا كفاية على ما تناوله في محاضرته: لم يقل لنا أين ولد، وما الملابسات التي أحاطت بحياته. «هل تعلم، يسأل شبيه المثقف مخاطباً المحاضر، أنه كان على خلاف شديد مع الكاتب الفلاني الذي عاش في نفس الفترة»؟
لن يكتفي شبيه المثقف بذلك. سيذكر التواريخ التي قرأها للتو، سيقول مثلاً إن الفكرة التي نسبتها إلى فلان نشأت أول ما نشأت في اليونان القديمة، وسيصوغ ما قرأه على «ويكبيديا» على صيغة سؤال: «هل تعلم أن السريان هم أول من ترجم ذلك إلى العربية في عهد الخليفة المأمون»؟
مدير الجلسة سينبه شبيه المثقف إلى ضرورة الاختصار، لأن آخرين سواه ينتظرون دورهم، فينهي حديثه بشيء من الغضب والتذمر.
حين يأتي الدور على المحاضر ليجيب عن الأسئلة، يبدأ بالرد على شبيه المثقف: ما تفضلتَ به من معلومات صحيح، لكن موضوع المحاضرة مختلف.
من داخل القاعة سيقاطعه شبيه المثقف محتجاً: غير صحيح!
جريدة الخليج