- ينقص حياتنا الثقافية اليوم، عربياً، السجالات الفكرية والنقدية التي عرفناها في مراحل سابقة من تاريخنا الثقافي، وهو السجال الذي أثرى الأدب والفكر، وساعد على تطوير المفاهيم وإغنائها.
وكان هذا السجال يدور بين أسماء وازنة، وينطلق في غالبه من الأرضية التنويرية ذاتها التي صنعت اللحظة الحداثية الأولى في حياتنا الفكرية، وهي اللحظة الأشد تأثيراً ووقعاً حتى اللحظة مما تلاها، ولو أن هذا السجال استمر، فيما بعد، على ذات الأرضية لكنا راكمنا منجزاً مهماً، جنّبنا الكثير من الضلالات التي انتهينا إليها، أعادتنا إلى نقطة البداية، كأن كل الإجابات المهمة على أسئلة التقدم والنهضة قد محيت.
ولو ركزنا حديثنا على الجانب الأدبي، سنجد في سجالات منتصف القرن الماضي نماذج كثيرة ينطبق عليها ما بدأنا به الحديث.
وحسبنا هنا أن نشير إلى سجال مهم دار على صفحات الصحف المصرية بين عميد الأدب العربي طه حسين والأديب عبدالرحمن الشرقاوي، وهو سجال مبني على الاحترام، لكنه لا يخلو من حدة الخلاف التي يتطلبها هذا النوع من السجالات، ومن ذلك ما أخذه الشرقاوي من موقف حاد تجاه وصف طه حسين لبعض الأدباء الجدد بالمتأدبين.
رأى الشرقاوي في هذا الوصف غضاً من هؤلاء ووضعاً من أقدارهم، وأنه كان من اللائق أن يطلق عليهم طه حسين وصف الأدباء بصرف النظر عن رأيه فيما يكتبون.
لكن عميد الأدب العربي في دفاعه عن رأيه ذهب مذهباً آخر شديد الحدة، حين أخذ على الشرقاوي عدم معرفته باللغة العربية، فمعرفته وقفت عند ما تعلمه في المدارس ولم يزد على ذلك فلم يقرأ الأدب القديم، ولو أنه ألِف قراءة هذا الأدب لأدرك أنه لا يوجد هناك فرق كثير أو كبير بين الأديب والمتأدب، وأيسر الرجوع إلى المعاجم العربية يقنعه بذلك.
وفي سجال آخر مع الناقد مع محمد مندور دعا طه حسين الله أن يعفو عن مندور حين تعجل وقال في حديث له إن القصة لم تنشأ إلا في القرن التاسع عشر مستشهداً في ذلك بأستاذ من أساتذته في «السوربون».
ولأن الحوار بين الكبار، كما قلنا، كان كبيراً أيضاً، فطه حسين ضليع، هو الآخر بالأدب الفرنسي فذكره بأن أساتذة فرنسيين آخرين لا يرون رأيه، مع أن الأمر أيسر من أن تستعين بقول هذا الأستاذ أو ذاك وإنما يكفي فيه حسن التدبر والفهم لحقائق الأدب.
جريدة الخليج