انطلقت صباح يوم الأربعاء 26 سبتمبر 2018 في العاصمة الأردنية عمان أعمال “ملتقى الأمن الثقافي” الذي تنظمه مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، بالتعاون مع مؤسسة عبد الحميد شومان، حيث يناقش المنتدون مكونات الهوية الثقافية وبنيتها ومحدداتها التي تخص الفرد، إضافة إلى أهمية دور الثقافة في تطور الشعوب، وغيرها من الظواهر الثقافية.
وقد حضر الملتقى كل من الأستاذ الدكتور محمد عبد الله المطوع وناصر حسين العبودي عضوي مجلس الأمناء في مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، والمدير التنفيذي للمؤسسة عبد الإله عبد القادر، كما حضر فعاليات الملتقى، وزير الثقافة الأردني الأسبق الشاعر جريس سماوي، رئيس رابطة الكتاب الأردنيين محمد الضمور، المستشار في سفارة الإمارات فيصل آل مالك، الملحق الثقافي في سفارة البحرين ندى الحربان.
حيث ألقت الرئيسة التنفيذية لـ “مؤسسة شومان” فالنتينا قسيسية، كلمة اعتبرت فيها أن الملتقى ثمرة شراكة مزدهرة ومتواصلة بين مؤسستي “شومان” و”العويس”، والتي نحرص عليها دائما، ونسعى إلى تطويرها باستمرار، خصوصا أنها تتيح للطرفين نظرة أكثر شمولية على الواقع الثقافي الذي تعيشه بلداننا العربية.
ورأت قسيسية، أن الملتقى يندرج تحته عشرات العناصر التي يمكن لنا أن نسميها ثقافة، كما يثير أسئلة عديدة حول السبل التي من الممكن أن نحقق من خلالها أمننا الثقافي، وأن نعزز من أدواتنا الثقافية في سبيل الحفاظ على هويتنا وتراثنا.
واشتملت فعاليات اليوم على ثلاث جلسات، الأولى أدارها وزير الصحة الأردني الأسبق د. زيد حمزة، وتحدث فيها كل من: د. حسن مدن (البحرين)، ود. محسن جاسم الموسوي (العراق)، الذي رأى في ورقته “مفاهيم الثقافة ومشكلات الحصانة الثقافية في عصر العولمة”، أن مفكري الثقافة يكتبون غالباً عند ظهور منعطفات معينة في تاريخ المجتمعات، على خلاف كتابات الفلاسفة والمفكرين في القرن الثامن عشر في أوربا، مثلاً.
وأكد أن قضية الأمن الثقافي باتت تندرج في عصر تكون فيه ثقافة المنثور المطبوع، والمجالسة والمشافهة، أمراً عرضياً إزاء تداول عاصف للمعلومات والمشاهد وعروض “الفرجة”، وهو تداول قابل للخرق والتأليف والتزوير والتدليس.
من جانبه، قال حسين مدن في ورقته “العولمة في مواجهة الثقافة الوطنية”، إن “التقنيات الحديثة، كما كان الحال فترة الثورة الصناعية، هي وسائل سيطرة ونفوذ بيد القوى النافذة القادرة على إخضاع العالم وغزو أسواقه ببضائعها، تحقيقا لأهدافها الخاصة”، مضيفا “هذا الأمر يعني أن البلدان المتخلفة، مهما سعت لمجاراة العالم المتقدم ستظل متخلفة”.
ولفت إلى أن حصة البحث العلمي في العالم العربي لا تتجاوز 1%، فيما تبلغ في الدول المتقدمة نسبة تفوق 3%، وهذه النتائج المتناقضة للتدويل الاقتصادي، بحسب مدن، “لا تنسحب على البلدان النامية وحدها، وإنما تترك آثارها السلبية على المجتمعات المتقدمة ذاتها، فالعولمة لا تجلب الثراء وحده، وهي لما تزل قارات متضادة من المصالح وليست قرية كونية للتكافل”.
وأوضح أنه لفهم آليات الهيمنة في عالم اليوم، يحب أن نوجه النظر نحو البعد الثقافي، الذي هو في الجوهر قوة إكراه، لكنها مخملية الملمس.
ودعا مدن، إلى تحرير الصعد القومية والوطنية الخاصة بالشعوب وتخليصها من نزعات الشعور بالدونية التي أملاها المركز الغربي عليها، ومن المشاعر الشوفينية التي تدفع للتزمت والتعصب، وللعنف أيضا.
الجلسة الثانية ترأسها أمين عام وزارة الثقافة الأردنية هزاع البراري، وتحدث فيها د. فريدريك معتوق (لبنان)، ود. مدحت الجيار (مصر) عن “الثقافة بين الانغلاق والتبعية”، الذي أشار إلى أن الأمن الثقافي يعني وجود ثقافة فاعلة وقادرة على حماية نفسها وحماية المؤمنين بها، ومستخدميها، لأن الخطر يأتي من الانغلاق الذي يمنع الثقافة من التمدد والنمو.
وأعتبر أن الانغلاق عدو الثقافة، فهو يغلقها ويجعلها فريسة لأعدائها، فتتحول من الحرية والقوة إلى الضعف والاستسلام، كما أن الجهل وسيلة الهدم الجوهرية للثقافة التي تحولها إلى ثقافة تابعة تحقق أغراض الأعداء.
بدوره، بين د. معتوق أن القوميّة والدين، ساهما، هذان العنصران، في لعبة مصالح سياسية، سرعان ما تحوّلت إلى لعبة استقواء واستضعاف، إذ تعتمد ثنائية القوميّة والدين، في طورها الأول، إشكاليّة تقارب.
ورأى أن هذا التقارب يأتي انطلاقًا من مصلحة غالبة لدى أحد الطرفين؛ فالحاجة تبدو متبادلة غير أنه، عند التدقيق، يتبيّن أنها تأتي في لحظة يكون فيها أحد المكوّنين في حالة ضعف أو وهن، ويحتاج بالتالي إلى معاضدة.
أما الجلسة الثالثة التي أدراها د. غسان عبدالخالق، واشتملت على ورقتين، الأولى للدكتور سعيد حمدان (الإمارات) بعنوان “الثقافة بوصفها فعل مقاوم”، والثانية حول “الهوية الثقافية وتحصين الأمة من الذوبان” للدكتور أحمد بو حسن (المغرب).
وأعتبر سعيد حمدان أن السعادة والمستقبل والشباب؛ هي مكونات للمساهمة في صناعة الأمن الثقافي الذي تبحث عنه الدول المتطورة، كذلك التسامح الذي يعد أهم مقومات الأمن الثقافي للتغلب على تياري العنف والارهاب.
وأوضح، في هذا السياق، أن دولة الامارات قامت بمشاريع استراتيجية تصب في مفهوم الأمن الثقافي، وهي مبادرة “عام 2016.. عام القراءة”، لتمثل خطوة جديدة في مسيرة الدولة نحو ترسيخ ثقافة العلم والمعرفة والاطلاع على ثقافات العالم.
واختتم الملتقى فعالياته في اليوم الأول، مع د. أحمد بو حسن الذي ذهب في ورقته “الهوية الثقافية وتحصين الامة من الذوبان”، إلى أن الهوية الثقافية مفهوم متعدد يحتاج من الباحثين إلى تفكيكه وتحليل مختلف علاقاته الداخلية والخارجية قبل الخوض في مختلف تجلياته في الأفراد والجماعات. وبيّن أن تحصين الهوية يعتمد على تقوية الذات وتمكينها من كل المقومات المادية والفكرية والعلمية والتقنية والتواصلية، كذلك حمايتها من الطمس والذوبان.
يشار إلى أن الملتقى يأتي تنفيذاً لمذكرة التفاهم بين مؤسسي “العويس” و”شومان”، العام 2010، وتقتضي تنظيم فعاليات فنية وندوات فكرية واسابيع ثقافية تعقد بين الإمارات والأردن.