كان عبده خال محقا حين قال “لم يقرأوها” في إشارة إلى الغذامي والحمود وإلى أصحاب الآراء الناقدة لتجربته، متهما إياهم بأنهم يسوقون آراءهم دون قراءة منتجه الروائي.
هذا الحكم أجده ينطبق تماما على الكثير ممّن علّق على لقاء خال مع عبدالله المديفر الذي أجراه معه في برنامجه “في الصورة” على قناة روتانا خليجية، حيث أن أغلبهم لم يشاهد الحلقة كاملة، وإنما اكتفوا بمشاهدة مقاطع تبثّ من هنا ومن هناك، كانت قد اجتزئت من سياقاتها العامة لتأخذ المتلقين إلى نتيجة حادة جدا تجاه المديفر وحكمنا عليه بين السطحية والعمق، وبين الحوار والمحاكمة، وبين إسلاميته وليبرالية ضيفه.
لست هنا حكما على أيديولوجية المديفر، وكيف تشكّلت خلفيته الثقافية، ومن أين انحدرت مواقفه الفكرية، سواء تخيّلناه مقدّما لبرامج في “أم.بي.سي”، أو في روتانا خليجية، أو الرسالة، أو حتى في قناة المجد الدينية.
يجب أن نتنبّه إلى أننا في الحقيقة أمام حلقة حوارية فقط، كان لا بدّ لأي إعلامي محترف أن يكون فيها محامي الشيطان، وأن يتمثّل بجميع الآراء الموجودة على الساحة الثقافية، سواء راقت له أو لم ترق، وسواء أعجبته أو لم تعجبه. وهكذا -في ظني- فعل المديفر بأدب كبير ومن دون انفعال يذكر، وكان ردّ خال مؤدبا وعميقا رغم مرضه عافاه الله.
لقد تعامل المثقفون السعوديون مع الحوار باعتباره جزءا من ساحة الحرب الكبيرة الدائرة بين الليبراليين والإسلاميين في السعودية، فتم التعامل مع ردود الفعل وفق ذلك، ولنا أن نتخيّل لو أن الأسئلة نفسها التي قدّمها المديفر قام بتقديمها علي العلياني، كيف كانت ستكون ردود الفعل إذ ما علمنا بأن الأخير يحسب على جماعة الليبراليين السعوديين؟!
السؤال لا يحتاج إلى إجابة، لكنه يحتاج إلى فهم المكوّنات الثقافية التي صنعته، وشكّلت الثورة على نتائجه منذ التدافع الأول لمشايخ الصحوة الدينية بعد قضية جهيمان، وصراعهم مع أي مكوّن حداثي في الداخل السعودي، حيث تمثّلت أوضح معاركهم الثقافية أواخر الثمانينات في كتاب “الحداثة في ميزان الإسلام” (1988)، لعوض القرني الذي قدّم له مفتي المملكة آنذاك الشيخ عبدالعزيز بن باز قائلا “أحمد الله الذي قيض لهؤلاء الحداثيين من كشف أستارهم وبيّن مقاصدهم وأغراضهم الخبيثة وأهدافهم الخطيرة بهذا الكتاب الذي يقدمه مؤلفه فضيلة الشيخ عوض للقراء، فقد كشف لنا القناع عن عدو سافر يتربص بنا ويعيش بين ظهرانينا ينفث سمومه باسم الحداثة، وهو بهذا الكشف والبيان يلقي مسؤولية عظيمة وجسيمة على علماء هذا البلد وقادته ورجاله وشبابه وغيرهم للتصدي لهذا الخطر، وإيقاظ الهمم، وتنبيه الغافل عنه، ونصح وتوجيه الواقع فيه”.
ورغم أن الصراع كان ومازال لم يتجاوز الحالة الأدبية وعلاقتها باللغة وبالشكل، وبالمنتج الأدبي في حيّز مفاهيمي ضيق، إلا أنه استطاع أن يجعل من نفسه هوة عظيمة بين مكوّنين سعوديين يقفان تحت مظلة الدولة الملتزمة بالإسلام في نظامها الأساسي للحكم.
اللقاء كان عاديا، والمحاور التي تمّ التطرق إليها كانت تقليدية، لكن ردود الفعل كانت أكبر من الحدث نفسه، حيث حملها تياران محافظان يقفان في مواجهة بعضهما البعض تحت مسميات مختلفة تناوب على اللعب في ملاعبها المشايخ والمثقفون مستخدمين مريديهم كرات للعب، غير أن اللعبة انتهت Game Over، ومن المضحك الجلوس أمام الشاشة بعدها، فخال والمديفر أصبحا خارج الصورة.
صحيفة العرب