ثمة من يضع سدوداً بين الصحافة والأدب، للدرجة التي تكاد تخال فيها أنه ليس بوسع الصحفي أن يكون أديباً، أو حتى مهتماً بالأدب.
أسباب ذلك كثيرة، بينها أن بعض الصحافة، ولا نقول كلها، لم تتقيد دائماً بالشروط المهنية الضرورية في اختيار محرريها أو مراسليها، ما أثر سلباً في مهنيتها، وأعطى الانطباع بأن الصحافة مهنة سهلة، على خلاف ما هي فعلاً، بوسع حتى من لا يتوفر على الحدود الضرورية من اللياقة في الكتابة أن يجد لنفسه موطئ قدم فيها.
من بين الأسباب أيضاً أن بعض الصحافة، ومرة أخرى نقول بعضها وليس كلها، جنحت نحو الإثارة والبهرجة، ونأت عن المعالجات الرصينة للقضايا الجوهرية في المجتمعات التي تصدر فيها، فلم يعد المعيار، بالنتيجة، يتصل بالجدية والمسؤولية، وإنما بالمقدرة على لفت الأنظار بتصيد ما يحسب أنه مثير و«فضائحي».
إحدى الصحفيات الأجنبيات المرموقات، التي عملت طويلاً في الصحافة هي دي كورسي خصّصت كتاباً للدفاع عن مهنة الصحافة، بوجه ما حسبته تطاولاً أو إهانة لهذه المهنة – الرسالة، وهي مسألة كانت محل سجال دائم في الغرب، بلغ إحدى ذراه قبل عقدين أو ثلاثة، على خلفية طريقة الصحافة في «تصيد» أخبار أميرة ويلز الراحلة ديانا، ما أدى إلى وفاتها في حادث مروري مروع في أحد أنفاق باريس، وهي تهرب من تلصص الصحفيين وكاميراتهم.
تقرّ الكاتبة أن بعض الصحفيين أو من يختبئ تحت عباءتهم، أساؤوا للصحافة، لكن هناك، بالمقابل، الكثير ممن يتمسكون بمبادئها وأخلاقياتها، ويجتهدون من أجل الحفاظ على صدقيتها، وهناك الكثير من الأدلة على ذلك، سواء من الصحفيين الذين خاطروا، لا بل ضحَّوا، بحياتهم وهم يغطون الحروب والنزاعات أو يفضحون أوجه الفساد.
كاتب عالمي مرموق هو جابرييل ماركيز اعتبر الصحافة «أجمل مهنة في العالم»، ورغم ما بلغه من صيت ومكانة عاليين في مجال الأدب، حتى نال «نوبل» للآداب، ظل ماركيز يعتبر نفسه صحفياً دائماً، ولا تقل مقالاته الصحفية عذوبة وأهمية عن أدبه.
وكانت محل اعتزازه الدائم حقيقة أنه دخل عالم الأدب من باب الصحافة بالذات، ولم يجد أدنى سبب يحمله على إدارة ظهره للصحافة، بصفته كاتباً فيها، لمجرد أنه أصبح أديباً مشهوراً لا على مستوى بلده والقارة الأمريكية اللاتينية وإنما على مستوى العالم كله، حين أصبح مقروءاً بالكثير من لغات العالم، بل ينسب إليه قوله«أعتبر نفسي صحفياً في كتابة الرواية».
جريدة الخليج