لن أجاملك وأنت غائب متوفى، كما لم أجاملك وأنت حي حاضر.
جمعتنا الأيام بحلوها ومرها. اتفقنا كثيراً واختلفنا كثيراً. عملنا واجتهدنا. نجحنا وأخفقنا. لم يحبطنا الإخفاق بل حفزنا لنجاحات قادمة.
اختلفت الرؤى، افترقنا، لكننا تركنا لنا مكاناً يخصنا فقط، نقف فيه معاً لا نختلف فيه. مكان يخص القلب والوطن والهوية، لا نساوم عليها أبداً.
لن أدعي وصلاً ولا صحبة ولا صداقة، فذلك من صميم عمر العطاء المشترك والكتابة والشعر والإبداع والصحافة، ذلك شيء من سجل العمر بكل ما فيه من نجاحات وإخفافات واتفاقات واختلافات وتناقضات.
حبيب، لم يكن مجرد شاعر أو كاتب أو إعلامي. كان مشروعاً تنويرياً قائماً بذاته، قد لا تعجب البعض تفاصيله. لكنه عمل بكل إخلاص لتحقيقه وعلى كافة الصعد. رغم العثرات والصفعات نجح في كثير مما كان يصبو إليه، جمع حوله الكثير من المريدين والمحبين كما جمع في ذات الوقت الكثير من الناقمين والرافضين وبينهم كم من المنافقين.
مضى من دون أن يقف أمام أي منغص مهما كان نوعه أو قوته، بدهاء يحسده عليه الكثيرون. طوع ما لا يمكن تطويعه. سجل الكثير من النجاحات التي تحسب له ولنا وللوطن.
له قلم ثقيل الوزن سلس العبارة حاد الحروف يجرح ويداوي في الصحافة، وفي الشعر كان له مشروعه الشعري المميز الذي لا ينكره أي أحد، فكان عذباً شقياً كطفل يوزع ألعابه المختلفة بمهارة ويلعب بها كيفما يشاء، وحينما يصل للذروة يرسلها مع أول غيمة لتمطر حيثما تشاء أجمل الشعر وأعذبه.
لا يتعالى إن احتاج أن يبكي، يرسل دموعه مدرارة كان من كان أمامه، أو أن يقف بكل تحد أمام تجاذبات الأيام صلداً لا ينكسر مهما كان الموقف خطراً حد الأذى عليه.
حبيب شخصية مركبة متنوعة الصور والألوان والرؤى، كلوحة كلما تمعنت فيها وظننت أنك سبرت كنهها، ازدادت تشظياً بين الوضوح والغموض التامين. يستطيع أن يكسر الأشياء العصية ثم يعيد تركيبها كما يهوى ويرتضي. يمضي كأنه يقود حصاناً جامحاً تعود على سرجه ويدير دفة لجامه بكل حذق وحرفيه. هكذا عرفت حبيب دائماً: في قلب المشهد وسيد موقفه.
للغياب ظل ثقيل وطعم مر يجثم على الصدر بكل غلواء الحزن والألم والدموع والعمر المشترك، خصوصاً والفقيد حبيب.
حبيب اتفقت معه كثيراً، واختلفت معه كثيراً، لكنني أحبه كثيراً، والذي أحس مع غيابه كأنني فقدت أحد أصابعي فلا أقوى على كتابة شيء.
رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته.
جريدة الخليج