من الطريف والغريب أن تلك الإمبراطورية المتزمتة، الاتحاد السوفياتي، انتقلت من عبوس ستالين وتشدده إلى رجل من أظرف قادة العالم وأحبهم للتنكيت والدعابة، وأقصد به نيكيتا خروشوف لا غيره. كان من دون شك من أظرف من ظهر على مسرح السياسة العالمية في تلك السنوات من تاريخ الاتحاد السوفياتي وتاريخ الأمم المتحدة. وهل في العالم من لم يسمع بتقليعته عندما نزع حذاءه في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة وراح يضرب به على الطاولة أمامه احتجاجاً على ما قاله زعيم آخر لم يقلّ عنه في الظرف، وهو المستر هارولد مكميلان، رئيس الحكومة البريطانية. رد هذا الصاع بصاعين عندما انتهى خروشوف من ضرب الطاولة بحذائه فالتفت مكميلان إلى رئيس الجلسة وقال: «هل من الممكن أن نحصل على ترجمة لذلك»؟ فدوت القاعة بالضحك والتعليق.
كان خروشوف أول زعيم سوفياتي يقوم بزيارة عواصم العالم الرأسمالي، وفي مقدمتها لندن. أتذكر أن زيارته أحدثت ضجة كبيرة شغلت الجمهور لأيام عدة كانت حاشدة بالتقليعات الخروشوفية. أقامت له الملكة إليزابيث وليمة رسمية حضرها، ثم قدموه إلى زوجها الأمير فيليب فسلم عليه ثم قال: قل لي ماذا تعمل خلال النهار؟!
أقامت له بلدية لندن وليمة رسمية أخرى في مبني الغيلدهول في منطقة السيتي أوف لندن. وبالطبع تبودلت الكلمات فجاء دوره ليلقي كلمته بعد العشاء. ومن تقاليد كلمات ما بعد العشاء أن تكون ظريفة وخفيفة تسهل عملية هضم الطعام. فوقف خروشوف وراح يروي للحاضرين أنه في طفولته في قريته البعيدة (انحدر خروشوف من عائلة فلاحية أوكرانية)، ذهب مع أهل القرية لمشاهدة هذا الشيء العجيب، وهو البعير. فراحوا يدورون حول البعير، هذا يمسح برقبته، وذاك يناوله شيئاً من العلف، وآخر يجر بذيله، وهكذا كلهم في دهشة وعجب.
قال خروشوف: مثلي أمامكم كزعيم شيوعي في عالمكم الرأسمالي مثل ذلك البعير في قريتي الأوكرانية. تتساءلون في أنفسكم هل للرجل الشيوعي ذيل مثل ذيل البعير؟ دعوني أطمئنكم على هذا الموضوع.
أدار قفاه للحاضرين وسحب سترته إلى الأعلى من الخلف ثم خاطبهم قائلاً: انظروا، ليس عندي أي ذيل! فضج الحاضرون بالضحك والتصفيق له.
الحمد لله أن الزعيم الشيوعي، رئيس الاتحاد السوفياتي، لم ينزع لهم سرواله أيضاً ليطمئنهم، كما نزع حذاءه أمام وفود الأمم المتحدة في نيويورك.
استأنس به المدعوون لحفلة العشاء فضحكوا وصفقوا وهنأوه على خفة دمه. ثم استرسلوا في الموضوع فطلبوا منه أن يروي لهم بعض النكات السوفياتية ففعل وأدهشهم بحضور قريحته وطرافته.
جريدة الشرق الاوسط