تعرفت إلى جميل مطر نحو عام 1974، عندما جاء مع محمد حسنين هيكل إلى بيروت، لكي يترجم وينشر كتابه «عبد الناصر والعالم» في «دار النهار». كان جميل يومها رئيس دائرة الأبحاث في «الأهرام»، وكبير الباحثين عند هيكل شخصياً. وبعد قليل خرج من ظل هيكل لينصرف إلى الكتابة السياسية بنفسه، متميزاً بماضيه الدبلوماسي وخبرته البحثية الكبرى. وبعكس البحاثة، ظل أسلوبه طرياً وجملته بسيطة وجذابة.
ظللنا نلتقي المفكر المصري الدمث والمتواضع، في المؤتمرات والمنتديات العربية التي ندعى إليها. وكنت أتابع مقاله الأسبوعي في «الحياة». وعندما صدرت «الشروق» قبل سنوات تسلم فيها قسم «الرأي»، إضافة إلى مقال أسبوعي يغلب عليه دائماً النسق البحثي والنزعة الفكرية.
في الآونة الأخيرة، بدأت أتعرف إلى كاتب آخر في جميل مطر: الكاتب الوجداني والشاعري، الذي يبحث في قصص الناس وحياتهم. ومن ثم تصاعد في هذا المنحى، وبدأ يكتب عن تجاربه الشخصية وحكايات الماضي. ومن ثم صعد درجة أخرى في سلم البوح، وبدأ يشكو من حياة الكهولة وأحكام العمر والتقدم في السن.
يفعل ذلك بمهارة وموهبة لا تقل إطلاقاً عن قدرته في طرح القضايا الفكرية بعمق وثقافة. ويكتب دائماً بالرقي الذي امتاز به في عمله المهني وحياته الشخصية. وبقدر ما يعجبنا الكاتب الجديد في جميل مطر، بقدر ما يحزننا، نحن رفاقه في هذه المهنة، وفي أحكام التقدم في العمر.
في الماضي كنا إذا شكا أحد من التقدم في السن، يشعر أنه يتحدث عن أحد آخر. إلا أنني قبل أيام قرأت مقال جميل، ثم شاهدت فيلم «إنسان فرد» من بطولة شيرلي ماكلين وكريستوفر بلامر. كلاهما كان يمثل دور الوسامة والجمال والمرح عندما كنت شاباً. هذا الفيلم عن أرمل ومطلقة، مع كل ما يرافق العمر من رذائل.
يختصر مشهد واحد الفيلم كله، عندما يسأل الحفيد جده في الشارع: «لماذا كبار السن دائماً مهمومون وحزانى؟». إذا أردت أن تعرف الجواب فعليك بقراءة جميل مطر. إذ يبدو أن ثمة أسباباً كثيرة لذلك. والأرجح أنها كثيرة جداً.
سعيد فريحة ظل حتى عامه الأخير يكتب عن العشق. كل حلقة عن الحب تسبقها حلقة عن السكري وألم الساقين والعلاج في لندن. وكل وقوع في غرام جديد ترافقه شكوى من الغرام القديم.
جريدة الشرق الاوسط