كان جوزيف غوبلز من عبدة هتلر. عاش مع «الفوهرر» يفلسف له وعنه الموت والحياة. وعندما قرر الزعيم النازي الانتحار، انتحر غوبلز معه. وأجبر زوجته وأبناءه الخمسة على الانتحار أيضاً. هايل هتلر، فليحيا القائد.
أقرأ في مفكرة (وليس مذكرات) غوبلز في 8 أبريل (نيسان) 1941 أن الفوهرر كان مفتوناً بالحضارة اليونانية، و«منع قصف أثينا (وكان هذا قراراً نبيلاً منه). روما وأثينا كانتا بمثابة مكّة إليه. وهو يشعر بأسى شديد لاضطراره إلى محاربة اليونانيين. الفوهرر رجل يعشق الحضارات القديمة. وهو يكره المسيحية لأنها أعاقت كل ما هو نبيل في الإنسانية. كم هو هائل الفارق بين زويس (إله الإغريق) الطيب الضاحك وبين المسيح المصلوب المحطم بالألم. إن نظرة الشعوب القديمة إلى الله كانت أيضاً أكثر نبلاً ورحمة من المسيحيين. يا للفارق بين كنيسة قاتمة ومعبد قديم مضيء. إن القائد يصف الحياة في روما القديمة بأنها مبهجة وعظيمة: الجمهورية الأعظم في التاريخ. وليتنا نعود الآن فوراً إلى تلك المدينة الخالدة. الفوهرر لا يطيق الثقافة القوطية. لا يحب الغموض والقتوم بل الوضوح والجمال. وفي هذا المعنى هو رجل حداثة تماماً».
سوف تلاحظ في مفكرة غوبلز عن سيده أنه يكرر استخدام مفردات مثل الإنسانية والجمال والحرص الشديد على الفرح والبهجة. كان يعبر عن هذه الروح الشهمة وهو في الطريق إلى احتلال تشيكوسلوفاكيا، وتدمير بولندا، وإحراق روسيا، وقصف بريطانيا، والزحف على فرنسا.
لكن لم تكن تلك انفصامية رجل نمساوي مريض قاد ألمانيا إلى التدمير والانتحار. تلك كانت فلسفة غوبلز في الكذب. ظل يكذب إلى أن صدق نفسه وأرسى في العالم مدرسة إعلامية لا تزال تنتعش برغم موتها وتحللها. كان لقب ستالين «الرجل المحب للسلام» وهو يزحف نحو أوروبا الشرقية، لضمها بعد خروج هتلر منها.
الرجل الذي يحب الألوان الزاهية والأماكن المشرقة والفرح، أغرق العالم في أحزان وجنازات بلا حدود. ودمّر وتسبب في تدمير أجمل المدن. وفي عز الحرب، لم يكن لدى جوزيف غوبلز ما يقوله للعالم سوى أن سيده يعشق جماليات روما ومعابد أثينا المضيئة وحضارة أثينا وفلاسفتها. وأثينا كانت نقيض ما عشق حقاً. هو، كان مثاله إسبارطة، التي عاشت في حرب وماتت في حرب، بينما بقيت أثينا أساساً حضارياً يدّعيه حتى هتلر وغوبلز.
يذكرنا غوبلز دائماً بالذين يكتبون نصوص السياسيين هذه الأيام. هراء من هنا وهراء من هناك، والنتيجة هراء بهراء. أكرمكم الله.
جريدة الشرق الاوسط