يُمضي البشر ثلث حياتهم كمعدل وسطي وهم يغطون في النوم، علينا أن نحسب هنا بمعادلة بسيطة كم سنة من عمرنا نقضي في النوم؟ فكرة ارتباط النوم بالموت تبدو لي فنتازيا لأنه لم يحدث أن ذاق أحدنا طعم الموت وعاد ليصفه لنا، وإلا لحلت كل مشاكل البشرية مع الأديان والتاريخ ونهاية العالم.
النوم ليس موتا، بل هو نوع من النأي بالجسد عن مشاغل الحياة اليومية وعلاج فائق الفعالية للقلق والتوتر، أو على العكس يكون مصدرا مرعبا للكوابيس والإرهاق والأرق.
النوم منجم كبير للأسرار، لذلك رفع العالم شعار “نوم صحّي لحياة صحيّة” في اليوم العالمي للنوم الذي مر علينا الأسبوع الماضي وفق مبادرة سنوية تدعو إليها الرابطة العالمية لطب النوم، تجاوب معها ما يقارب سبعين دولة، ومن حسن حظ العرب أن دولنا لم تتفاعل مع يوم النوم العالمي كثيرا ربما لأن شعوبنا العربية تغط في نوم عميق بلا أرق أو كوابيس مزعجة!
خلل النوم سبق وأن رسمه الروائي تشارلز ديكنز في رواية “مغامرات السيد بيكويك” بشخصية الخادم جوو الذي كان يقوم بعمله وهو نائم. إلا أن مثل هذا الخلل يكاد يتحول إلى داء يصيب الإنسان في الدول الفقيرة والغنية على حد سواء، وسط عجز طبي ونفسي مخيف.
مع أن نومنا أقل جودة عندما يقاس مِمَّا كان يغط فيه أجدادنا قبل قرون من نوم عميق، إلا أن الطب لم يكن يصنف قلة النوم مرضا، وفق ماير كريجير مؤلف كتاب “سر النوم” إلا قبل عقود قليلة.
ويرى كريجير الأخصائي بكل ما يتعلق بفهم ظاهرة النوم وآثارها الصحية، أن خلل النوم ليس مجرد نتيجة لأسباب قلق نفسي، بل ينبغي النظر له من منظور طبي “كظاهرة مرضية تستوجب التشخيص والمعالجة”.
لذلك نرى اليوم أن المستحضرات والمنتجات المساعدة على النوم تثير الفضول لدى من لم يسمع بها، ثمة بيجاما نوم ذكية، فضلا عن الأَسِرّة والوسائد التي تهدف إلى تحسين نوعية النوم. حيث يعاني واحد من كل عشرة أشخاص من الأرق لمدة ثلاثة أشهر أو أكثر في مرحلة ما من حياتهم. يصف غاي ليشزينر أخصائي الأعصاب فكرة النوم السليم، الذي يزعم بها البعض، بأنها أحد الأوهام البشرية العظيمة.
ويقول ليشزينر مؤلف كتاب “الكوابيس وعلم الأعصاب وأسرار النوم”، ما يفند ذلك التصاعد المطرد للشخير والركل الذي لا يمكن إيقافه أثناء النوم. لذلك لا يمكن تسويق فكرة أن النوم سبات سلمي مع ما يرافقه من اضطرابات مشخصة قد تتسبب بقتل الإنسان لنفسه أو من يشاركه السرير. فوحشية الإنسان تظهر بشكل لا إرادي أثناء النوم ولا يمكن محاسبته عليها مهما ارتكب من أفعال.
كل ما تفعله الساعات الذكية بوصفها نوعا من الحل للنوم السليم، لا يتعدى البهرجة التكنولوجية، لأن مأزق عدم النوم أكبر من التقنيات المتوفرة، وإلا لو استطاعت التكنولوجيا تنويم المصاب بالأرق فهذا يعني قفزة علمية هائلة للأمام، لكن ذلك لم يحدث بعد.
صحيفة العرب