تواكب الصحافة الفرنسية امتحانات الثانوية العامة يوماً بيوم. تنشر الأسئلة وتعلّق عليها وتتابع آراء الطلبة الممتحنين وخبراء التربية وتختار المثير من التعليقات التي تتسرب إلى وسائل التواصل. هذا العام، تجاوز عدد طلبة البكالوريا ثلاثة أرباع المليون، أصغرهم في الحادية عشرة وأكبرهم في السابعة والسبعين. وحين أقرت فرنسا هذا الاختبار الدراسي في عام 1809 تقدّم للدورة الأولى منه 39 طالباً. وبعد أكثر من 200 سنة تحول الامتحان العام إلى ورشة كبيرة، تحسبها وزارة التربية بالمليم: 80 يورو تكلفة كل ممتحن. ويتولى التصحيح 174 ألف مُدرس. يتقاضى كل منهم 5 يوروات عن كل نسخة إجابة.
في مادة اللغة الفرنسية هذا العام، ورد سؤال حول البحث عن المعنى في الكتابة الشعرية، منذ العصور الوسطى حتى اليوم. وتضمن السؤال نصوصاً لعدد من الشعراء، بينهم أندريه شديد. وبعد انتهاء الامتحان خرج الطلاب يتباحثون في الإجابات، كما هي العادة في مدارس العالم كله. وتبين أن أغلبهم لم يسمعوا باسم أندريه شديد. ثم كتب مغردون وفسابكة منهم يتساءلون: هل هو رجل أم امرأة؟
لا يعرف الأولاد والبنات الشاعرة والروائية المصرية الأصل التي تكتب بالفرنسية، مع أنها حصلت على وسام جوقة الشرف برتبة ضابط كبير وجائزة «غونكور» في الشعر، أرفع التقديرات الأدبية. لكنهم يعرفون بالتأكيد حفيدها ماتيو شديد، مغني «الروك» ذا التسريحة المستوحاة من طائر البوم. كما أن آباءهم وأمهاتهم يذكرون ابنها المغني الرومانسي لوي شديد.
غرّدت طالبة تدعى جولييت تقول: أندريه طلعت شاعرة وليست شاعراً! ونشر طالب تعليقاً يستغرب فيه أن تحمل امرأة هذا الاسم. ولقيت المنشورات تأييد مئات الطلبة وإعجابهم. أي «لايكاتهم». ولعل البكالوريا كانت فرصة لأن يعودوا إلى الموسوعات الموجودة رهن إشاراتهم، في هواتفهم الذكية، ويكتشفوا تلك المبدعة: ولدت أندريه صعب في القاهرة عام 1920 لعائلة من المهاجرين الشوام. أبوها من بعبدا في لبنان وأمها من دمشق في سوريا. كانت في العاشرة حين أرسلوها إلى مدرسة داخلية، تعلمت فيها الإنجليزية والفرنسية. وفي سن الرابعة عشرة انتقلت الأسرة إلى أوروبا لكن البنت عادت ثانية إلى القاهرة لتدرس في الجامعة الأميركية ولتكشف عن موهبة أدبية واعدة.
اتخذت عاشقة الكتب من الحرف وطناً لها. وكتبت فيما بعد أنها تنتمي إلى الشعر، «البلد الذي لا يرفع راية ولا يملك حبالاً تربطك به». نشرت أولى قصصها بالإنجليزية ثم تحولت إلى الكتابة بالفرنسية. ولما تزوجت من لوي سليم شديد حملت اسم عائلة زوجها وصارت تنشر كتاباتها به. كان الزوج مصري المولد أيضاً. تخصص في علم الأحياء وحاز شهرة عالمية. عمل في معهد «باستور» وحاضر في «الكوليج دو فرانس». نشر كتاباً جميلاً بعنوان «ذكريات جوالة». أما هي فقد أصبحت من أعلام الأدب الفرنسي الحديث. سيدة جميلة راقية تعددت رواياتها ومجموعاتها القصصية والشعرية. نالت عدة جوائز وتكريمات. لم يغب الشرق عن نصوصها ولا أصداء الريف المصري. وهي مؤلفة «اليوم السادس»، الرواية التي نقلها يوسف شاهين إلى السينما وأسند بطولتها إلى فرنسية أخرى مصرية المولد: داليدا.
منذ ثماني سنوات ترقد أندريه شديد في مقبرة «مونبارناس» تحت حجر رمادي بسيط دون شاهد. يمرّ محبوها بالمكان ويخيّل لهم أنهم يسمعونها تُنشد بصوتها الهامس:
هذه الأجساد لم توجد
ولا هذي القلوب ولا الليالي
بدون أنهار العاطفة لا شيء يتواصل
نحتاج المشاركة ويلزمنا الحريق
لكي ينبع النبع وتحيا الحياة
في مادة اللغة الفرنسية هذا العام، ورد سؤال حول البحث عن المعنى في الكتابة الشعرية، منذ العصور الوسطى حتى اليوم. وتضمن السؤال نصوصاً لعدد من الشعراء، بينهم أندريه شديد. وبعد انتهاء الامتحان خرج الطلاب يتباحثون في الإجابات، كما هي العادة في مدارس العالم كله. وتبين أن أغلبهم لم يسمعوا باسم أندريه شديد. ثم كتب مغردون وفسابكة منهم يتساءلون: هل هو رجل أم امرأة؟
لا يعرف الأولاد والبنات الشاعرة والروائية المصرية الأصل التي تكتب بالفرنسية، مع أنها حصلت على وسام جوقة الشرف برتبة ضابط كبير وجائزة «غونكور» في الشعر، أرفع التقديرات الأدبية. لكنهم يعرفون بالتأكيد حفيدها ماتيو شديد، مغني «الروك» ذا التسريحة المستوحاة من طائر البوم. كما أن آباءهم وأمهاتهم يذكرون ابنها المغني الرومانسي لوي شديد.
غرّدت طالبة تدعى جولييت تقول: أندريه طلعت شاعرة وليست شاعراً! ونشر طالب تعليقاً يستغرب فيه أن تحمل امرأة هذا الاسم. ولقيت المنشورات تأييد مئات الطلبة وإعجابهم. أي «لايكاتهم». ولعل البكالوريا كانت فرصة لأن يعودوا إلى الموسوعات الموجودة رهن إشاراتهم، في هواتفهم الذكية، ويكتشفوا تلك المبدعة: ولدت أندريه صعب في القاهرة عام 1920 لعائلة من المهاجرين الشوام. أبوها من بعبدا في لبنان وأمها من دمشق في سوريا. كانت في العاشرة حين أرسلوها إلى مدرسة داخلية، تعلمت فيها الإنجليزية والفرنسية. وفي سن الرابعة عشرة انتقلت الأسرة إلى أوروبا لكن البنت عادت ثانية إلى القاهرة لتدرس في الجامعة الأميركية ولتكشف عن موهبة أدبية واعدة.
اتخذت عاشقة الكتب من الحرف وطناً لها. وكتبت فيما بعد أنها تنتمي إلى الشعر، «البلد الذي لا يرفع راية ولا يملك حبالاً تربطك به». نشرت أولى قصصها بالإنجليزية ثم تحولت إلى الكتابة بالفرنسية. ولما تزوجت من لوي سليم شديد حملت اسم عائلة زوجها وصارت تنشر كتاباتها به. كان الزوج مصري المولد أيضاً. تخصص في علم الأحياء وحاز شهرة عالمية. عمل في معهد «باستور» وحاضر في «الكوليج دو فرانس». نشر كتاباً جميلاً بعنوان «ذكريات جوالة». أما هي فقد أصبحت من أعلام الأدب الفرنسي الحديث. سيدة جميلة راقية تعددت رواياتها ومجموعاتها القصصية والشعرية. نالت عدة جوائز وتكريمات. لم يغب الشرق عن نصوصها ولا أصداء الريف المصري. وهي مؤلفة «اليوم السادس»، الرواية التي نقلها يوسف شاهين إلى السينما وأسند بطولتها إلى فرنسية أخرى مصرية المولد: داليدا.
منذ ثماني سنوات ترقد أندريه شديد في مقبرة «مونبارناس» تحت حجر رمادي بسيط دون شاهد. يمرّ محبوها بالمكان ويخيّل لهم أنهم يسمعونها تُنشد بصوتها الهامس:
هذه الأجساد لم توجد
ولا هذي القلوب ولا الليالي
بدون أنهار العاطفة لا شيء يتواصل
نحتاج المشاركة ويلزمنا الحريق
لكي ينبع النبع وتحيا الحياة
جريدة الشرق الاوسط