لماذا عاد ماركس إلى موسكو؟ سنة 2018 لا تخلو من مكر تاريخي، فهي مناسبة الكأس ومرور مئتي عام على ميلاد الذي زلزل الاقتصاد والفلسفة والسياسة والتاريخ. طريف أن يشمخ التمثال الثابت على مقربة من مسرح البولشوي، ملعب التراجيديا والكوميديا ورقصات الباليه، كأن الرئيس بوتين يلقي في الأذهان: نحن نتحول في خلفية ثابتة. حتى ستالين نصبوا له تمثالاً نصفياً، أثار جدلاً وظنوناً معناها: إذا لزم الأمر دعونا «جوزيف» إلى «جوّ زيْف» العالم.
اللماذات كثيرة. لا يكفي القول إن روسيا تحنّ إلى الاتحاد السوفييتي، وتحت مظلته خمس عشرة جمهورية، وعدد من دول الكتلة الاشتراكية، ومئات من الأحزاب الاشتراكية والشيوعية، بعضها في دول رأسمالية، وأخرى لا تزال تتنفس، ولو تحت الماء. حتى الأدب العربي لم يكن بمنأى. المعرّي أقحموه لقوله: «فلا هطلت علي ولا بأرضي.. سحائب ليس تنتظم البلادا… ولو أني حُبيتُ الخلد فرداً.. لما أحببت بالخلد انفرادا». وأحمد شوقي (ولد الهدى) يقول: «الاشتراكيون أنت إمامهم.. لولا دعاوى القوم والغُلواء».
عودة ماركس حدثت قبل كأس العالم، ففي سنة 2008، حين انفجرت الفقاعة الاقتصادية، أدرك كبار الخبراء الأمريكان أن مقاليد الاقتصاد يجب ألا تنفلت تماماً من أيدي الحكومات، وكانت تلك تخطئة لنظرية أن الأسواق تصلح نفسها بنفسها، ولترك شريان حياة البلدان وشعوبها بلا رقيب، تخطئة للرأسمالية بلا حدود، في عالم شرايينه متشابكة: «إذا عطست أمريكا زكم العالم».
المقولة الفرنسية: «الفيلسوف هو مجموعة الآراء المتناقضة حول فلسفته»، تنطبق على ماركس. هو غير مسؤول عن نظرية لينين في التطبيق. لم ير قط أن تستمر دكتاتورية البروليتاريا (الطبقة الشغيلة)، كان يريدها مرحلة محدودة ريثما تستتب أمور الدولة. لم يكن ضد الانفتاح على التجارة الدولية على نطاق واسع. كما أن المجازر التروتسكية لا تربطها صلة بالماركسية. السؤال مجدداً: لماذا أعيدت كاف كارل إلى كاف الكرملين في عام كافي الكأس والكرة؟ هل يريد بوتين تصحيح المسار اللينيني الذي ذهب إلى بعيد، وذهب ستالين إلى ما هو أبعد؟ الخلطة السرية البوتينية على ما يبدو: الرأسمالية التي يظل مقودها في يد الدولة، مثلما فعلت الصين، فرض وجود روسيا بالقوة لضمان التكافؤ الردعي، الذي من دونه تستباح البلاد والعباد، وتنهب الثروات، ويتبوّأ سدّة الحكم أمثال بوريس يلتسين، وتجرّ الشعوب إلى الانحلال، وغير ذلك كثير، فالقائمة طويلة، ومن الصعب على العالم العربي الإمساك بمئة أرنب في آن.
لزوم ما يلزم: النتيجة التمثيلية: بوتين نصب تمثالاً في عام الكأس، وترك ماركس يلعب بكرات الأدمغة.
جريدة الخليج