سبع سنوات مرّت على رحيل الشاعر والصديق الجميل أحمد راشد ثاني، ومع ذلك لا يزال الكثير من إرثه الأدبي مبعثراً هنا وهناك لدى بعض الأصدقاء، أو لدى أفراد عائلته، ولا أعرف هل تصدّى أحد إلى الجلوس على قراءة جميع القصاصات والأوراق والهوامش والمذكرات التي تركها أحمد في صناديق كثيرة كانت بحوزته في البيت، وقد رأيتها بنفسي، ورأيت بعضها لدى أصدقاء آخرين من بينهم الفنان محمد المزروعي الذي كان يحتفظ بمجلد ضخم من عمل لأحمد راشد بخط يده. ولا أعرف ماذا حل بهذا الكتاب، أو تلك الأوراق والصناديق، لكن هناك ضرورة لأن يتم العمل على هذه التركة بشكل محترف، وأن يتم البحث عن كل هذه القصاصات، ثم يكلّفُ شخص من أصدقاء الشاعر بالعمل عليها كمشروع توثيقي، تمهيداً لنشرها كلّها.
الجهود التي قام بها اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، برئاسة الشاعر حبيب الصايغ، ذهبت حتى أقصاها من خلال إطلاق اسم أحمد راشد على القاعة الرئيسة في مقر الاتحاد بالشارقة، وأيضاً سعي الاتحاد لجمع تراثه الأدبي، وإصدار الكتب الاحتفائية وإقامة الندوات حول تجربته الشعرية الثرية نصاً وبحثاً وسرداً وتأليفاً مسرحياً. وحقيقة لمست في الأديب حبيب الصايغ حرصه الكبير على جمع كل متعلقات الشاعر أحمد راشد ثاني، وسعيه إلى نشر هذا التراث، والوصول إليه بكل الطرق الممكنة. كما وجدت مثل هذا الحرص أيضا لدى سعيد حمدان الطنيجي، مدير إدارة النشر بدائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي الذي لا تمرُّ مناسبة تخص أحمد راشد ثاني إلا ويكون هو في صدارة من يدعون لها أو يشاركون بها.
يشكّل أحمد راشد ظاهرة متفردة في الإبداع الأدبي، فهو من ناحية يعد من أبرز شعراء الحداثة وقصيدة النثر في الإمارات والخليج. وقد طبعت أعماله الشعرية كلها. وكان هذا الشعر مركز الثقل في تجربته الأدبية، لكنه لم يقرأ نقدياً بالشكل الكافي، حيث امتازت نصوصه باجتراحات خاصة جداً جميع فيها بين جموح الخيال الشعري، وتمسّك النص ببيئة المكان، وخصوصاً البحر والمدينة ويوميات الشاعر وانتقالاته بينها.
بالمقابل، خاض أحمد في جمع التراث وكتب الشعر الشعبي بروح متجددة، وفي أيامه الأخيرة، انشغل بالسرد وتدوين يومياته وعذاباته مع المرض والمستشفيات في قراءات عميقة للواقع الذي ظل حتى آخر أنفاسه يتهكّم عليه بضحكته المجلجلة الجميلة التي لم تفارقه أبداً.. نحبّك يا أحمد راشد… ذكرى وذاكرة ورفقة دربٍ وحياة.
جريدة الاتحاد