تحتفل إيطاليا هذا العام بليوناردو دافنشي .. بمناسبة مرور 500 عام على وفاته، وهي مبادرة رائدة لإعادة استشعار الموهبة الكبرى لدافنشي الفنان والمهندس والكاتب أيضاً في بعض مواضع.
وقد شرعت المتاحف والدوريات الكبرى وأهم الشوارع إلى عرض كل ما يعكس روح دافنشي في المكان، خصوصاً ميلان تحديداً، التي تضم اليوم اللوحة الأشهر للفنان دافنشي بعد الموناليزا .. «العشاء الأخير» .. وتمثاله قرب الكتدرائية الكبرى والمنزل الصغير الذي أقام فيه أثناء عمله على لوحة العشاء الأخير، وغيرها من المخطوطات واللوحات التي تبرز هذا العام لتؤكد فكرة الاحتفاء، لكن ما لفت انتباهي بعد ثلاث زيارات لميلان أن دافنشي كان موجوداً دائماً حتى فيما قبل هذا العام.
تكمن قوة دافنشي ـ من وجهة نظري ـ في أنه كان يكرّس الأنماط الشائعة الدينية وقتها لتكريس فكرة وجودية أكثر بُعداً من الموضوع الديني نفسه، في أنه لا يرسم الفهم العقدي للمشهد، بل يقدم فلسفته الضمنية من خلاله أو ابتغاء لتشريح بعد أثيري أكبر من ضيق السرديات المكررة، كما في العشاء الأخير الذي لطالما رأيت فيه بعيداً عن عشاء المسيح الأخير محاولة لتجسيد تناقضات الذات الإنسانية المشاعر المتنوعة فيها بين ضغينة وخيبة وألم وغيرها .. كما أنه يتناول في مواضع أخرى الأحلام التي كان يتمتم بها العامة كأمنيات ليحولها إلى مشاريع للطيران ولتجاوز خطوة القدم البطيئة، الأمر الذي جعله دائماً زمنياً، إنها قوة الفنان المتحقق.
هل كان «دافنشي» مدركاً وهو يذهب في إغفاءته الأخيرة قبل 500 عام بأنه سيأتي يوم تتأمل فيه فتاة من مكان لم يسبق له أن تقاطع معها فيه جغرافياً وزمنياً، لوحاته وتستخدم النسخ المطورة جداً من أفكار اختراعاته الأولية بين الطائرة والسيارة وغيرها؟ .. وهل كانت هذه شيفرته الحقيقية بعيداً عن خيالات «دان براون» المراهقة؟ .. وهل كان يدرك أن عنصر الخلود الحقيقي هو هذه الاستدامة المتأصلة في غالب ما كان يعمل عليه؟ .. لعله فعل.
صحيفة الرؤية