أثار النعي الذي كتبته عن وفاة العلامة علي الشوك، رحمه الله، تعليقات وتساؤلات من بعض القراء، لا سيما في الإشارة إلى أول اشتراكية ديمقراطية عرفها الإنسان في العالم القديم.
يقول المؤرخون إن دولة سومر، الكائنة في جنوب العراق وعلى طرف الخليج والأهوار، كان يحكمها قبل نحو خمسة آلاف سنة، مجلسان؛ مجلس شباب (المقاتلون)، ومجلس شيوخ. وكان على الدولة (دولة المدينة) أن تحصل على موافقتهما قبل القيام بأي إجراء خطير، كإعلان الحرب. وهو ما عاناه غلغامش في الحصول على هذه الموافقة للقيام بغزو لبنان، كما جاء في ملحمته الشهيرة، القصيدة الملحمية الخطيرة التي ارتبطت باسمه. لم تكن هناك انتخابات، بل يعتبر كل رجل أو امرأة مؤهلاً للمشاركة في المناقشات والتصويت.
أما الحكومة (السلطة التنفيذية) فكانت منوطة بالمعبد والكاهن. يحضر الشغيلة صباح كل يوم أمام المعبد، فيقوم الكاهن بتوزيع الأعمال عليهم: أنتم تقومون بصيد سمك الشبوط، وأنتم تقومون بصيد سمك الجري، وأنتم تقومون بسقي المزروعات، وأنتم تقومون بحصاد الشلب، وأنتم تقومون برعي الماشية ورعايتها… ونحو ذلك. يعودون عند الغروب بكل ما حصلوا عليه، فيقوم المعبد بإحصاء ذلك وتسجيله، ثم تقسيم الحاصل على الجميع، كل حسب حاجته.
وكانت هناك مدارس لتعليم الأولاد القراءة والكتابة. فكما نعلم أن سومر كانت الرائدة في ابتكار الكتابة بالحروف المسمارية (لا بالصور كما في مصر). وهذا ما جعل المؤرخين يعتبرون سومر بداية التاريخ، على اعتبار أن التاريخ بدأ بتعلم الإنسان الكتابة والقراءة. وشاعت الحروف المسمارية واللغة السومرية في عموم الشرق الأوسط بل والعالم أجمع. فأصبحت لغة العلوم والرياضيات والاتصالات الدبلوماسية والتجارية بين الدول.
وكان المجتمع يقوم على المساواة والحريات المدنية والشخصية. وتمتعت المرأة لا بالمساواة مع الرجل فقط، بل بالتميز عليه باحتلال المناصب والأعمال العليا في الدولة. وليس للرجل غير أن ينفذ أوامرها وقراراتها.
العيب الرئيسي في التراث السومري والبابلي خلو البلد من الأحجار والصخور والأخشاب، بما لم يترك للمواطن السومري أي خيار غير أن يدون تراثه وأعماله وعلومه وأدبه على ألواح من الطين؛ تلف أكثرها بمرور الزمن، وتعرضها للعوامل المناخية القاسية والضاربة.
جريدة الشرق الاوسط