لا يمكن قراءة التاريخ الثقافي في بلدان الخليج العربي، دون الوقوف عند مسألة الهوية الثقافية، وهذه الأخيرة لا يمكن فهمها دون العودة إلى تاريخ تشكل الكيانات الوطنية في بلدان المنطقة، وهي كيانات لا تحجب حقيقة وحدة الثقافة في هذه البلدان من حيث هي ثقافة عربية متصلة بالعمق العربي منه تأخذ وإليه تعطي.
يدعونا الدكتور إبراهيم غلوم في كتابه: «الثقافة وإنتاج الديمقراطية» إلى الانتباه لمصادر التكوين الديمغرافي والثقافي لسكان المنطقة الخليجية، فالمنطقة عرفت حركة هجرات واسعة ومتصلة منذ الفتوحات الإسلامية مروراً بمراحل الصراعات السياسية خاصة في العصر العباسي، أو مراحل التغير الطبيعية والاركيولوجية التي مرت بها الجزيرة العربية (حوادث الطبيعة والجفاف) التي اقترنت بها هجرات القبائل الكبيرة إلى شرقي الجزيرة العربية طوال فترة تزيد على ثلاثة قرون وحتى بدايات القرن العشرين.
كان على هذه الهجرات أن تتفاعل، بالمعنيين الإيجابي والسلبي، بهويات ثقافية محلية قبلية ودينية مستقرة في بعض الحواضر القديمة في عُمان وامتداد شرق الجزيرة العربية ما جعلها تمر بمراحل طويلة من عدم الاستقرار كما تفاعلت مع عوامل الصراع الدولي على النفوذ، لذا عرفت المنطقة أحوالاً من التقلبات وعدم الاستقرار، وهنا تدخل العامل الخارجي عبر سلسلة المعاهدات والاتفاقيات التي أبرمتها بريطانيا ووضعت من خلالها حجر الأساس للتقسيم الإقليمي الراهن في المنطقة.
هذا التعدد للكيانات لم يلغ وحدة الهوية الثقافية، ولو في إطار من التنوع، ووحدة هذه الهوية آتية من وحدة الثقافة نفسها على ما أسلفنا، والتاريخ الثقافي المشترك لبلدان المنطقة يقدم لنا أسماء في عالم الثقافة والأدب يصعب نسبتها إلى بلد خليجي بعينه.
وفي بواكيره البحثية التفت الدكتور محمد جابر الأنصاري في كتابه «لمحات من الخليج العربي» إلى هذه الحقيقة مُقرراً أنه من المستحيل تجزئة دراسة الحركات الأدبية في الخليج من دون الالتفات، التفاتاً قوياً ومُركزاً، إلى أمثالها من الحركات في الأجزاء الأخرى، ومن لا يفعل ذلك لن يخرج بدراسة منهجية متكاملة سليمة.
وسبق أن أشرنا إلى الشاعر ابن المقرب العيوني الذي ولد في الإحساء وأقام في البحرين، وخالد الفرج المولود في الكويت لكنه عاش، طويلاً، في البحرين، ومثله فعل البحريني عبد الرحمن المعاودة الذي عاش فترة في الشارقة قبل أن يستقر في قطر، وعاش وعمل الأديب العماني عبد الله الطائي في البحرين والكويت والإمارات قبل أن يعود لمسقط رأسه عمان.
جريدة الخليج