قد يبدو الحديث عن مرض عصبي ونفسي، يعرف باسم «عسر القراءة» في الوطن العربي، نوعاً من الترف الفكري، في حين أن ثمة ملايين من الناس في كل أنحائه، لا يعانون من أية عقبات تحول دون إقدامهم على القراءة، ومع ذلك هم لا يقرؤون، لأسباب عديدة، منها الكسل، والانشغال بوسائل التواصل الاجتماعي، والمشاهدات البصرية السمعية عليها، والألعاب الإلكترونية، ومعظم المواد الإعلامية الأخرى.
لكن من زاوية أخرى، فإن الحديث عن تلك الفئات المصابة بذلك المرض، والمحبة للقراءة، فإن ما يمنعها من الناحية المرضية العصبية عن تحقيق رغبتها هو أمر يدخل في صميم مهمة التوعية الثقافية.
تشتكي كل الهيئات التي تتحدث عن التنمية البشرية في الوطن العربي من تضاؤل معدلات القراءة سنوياً مقارنة، مع الدول الشبيهة بظروفنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتعزو ذلك إلى بعض العوامل الآنفة الذكر، وإلى أمور أخرى تتعلق أحياناً باستراتيجيات النشر، وأخرى بنوع الكتابات، وثالثة بالعجز عن تسويق الكتب وابتداع وسائل ذكية، تستطيع أن تجتذب الناس التي تنهمك في العالم الرقمي المبهر المحيط بها، فتنسى مصدر المعرفة المكثفة الحقيقية المتمثل في الكتاب.
ومع كل ذلك التشخيص الذي نطالعه سنوياً في الدراسات الرصينة والمهتمة بالقراءة والكتب، ورغم الجهد القيّم المبذول في ذلك المجال، إلا أنه نادراً ما يهتم بالحديث عمن يعانون من مرض «عسر القراءة»، ونادراً ما يهتم بتخصيص معالجات وحلول خاصة بهم، والحديث عن معاناتهم في بيئاتهم المختلفة، وفي أحسن الأحوال تكتفي بعض الدراسات بدمجهم في إطار الحديث عن القراءة لدى ذوي الاحتياجات الخاصة، وعوائقها، وكيفية التغلب عليها.
يحدث ذلك بالرغم من أن حالة المصابين بذلك المرض مختلفة، وهي من جهة تتطلب معرفة كاملة بذلك المرض، وكيف ينشأ، وماهي الظروف الاجتماعية التي تكرسه وترسخه، حتى يتحول إلى هاجس نفسي يجبر من يتعرض له على العيش منزوياً، مكتفياً بالنظرة بحسرة وشوق مكبوت إلى خير جليس في الزمان، وهو لا يستطيع أن يشبع رغبته بسلاسة في مجالسته، والنهل من معينه.
مرض عسر القراءة لم يعد شيئاً مسكوتاً عنه في العالم، ونحن جزء من هذا العالم، نتفاعل بحكم روابط العولمة والثقافات المتنقلة مع ما يحدث في أي مكان منه، لذلك فعلينا الاطّلاع عن كثب على المعاناة المختلفة التي يعانيها المصابون به، وكيف استطاعت مجتمعات عديدة أن تتعامل معهم، وعلينا أن ننظر باستشراف للمستقبل بطرح التساؤل الجدّي: ماذا لو استطاعت هذه الفئة من الناس أن تنجح دون إبطاء في أن تقرأ؟، كيف سينعكس ذلك على التنمية البشرية والمستوى الثقافي العام؟.
من الممكن القول إن الاهتمام بتلك الفئات ومساعدتها على تجاوز عسر القراءة، قد يفجر الشغف المكبوت عندها على نحو إيجابي جداً، ينعكس عليها وعلى المجتمع ككل، إنه أمر يستحق المحاولة بالتأكيد.
pechike@gmail.com
جريدة الخليج