«نرحب بدعوة المملكة العربية السعودية إقامة القمة العربية الثقافية، آملين بأن تساهم في دفع عجلة الثقافة والتنوير وإذكاء جذوة القيم العلمية والأخلاقية العربية الأصيلة للحاق بركب الثقافة الذي تخلفت عنه الأمة جراء الحروب والفتن والقلاقل».
النص أعلاه توصية وردت ضمن البيان الختامي للقمة العربية التي عقدت في مدينة الظهران، منتصف نيسان (أبريل) المنصرم.
في البدء، يسرني كمواطن سعودي أن الدعوة إلى القمة العربية الثقافية قد انطلقت من بلادي، وأرجو أن يكتمل فخري فتُعقد أيضاً في بلادي.
المثقفون بالطبع تطايروا بتلك التوصية من دون غيرها وتداولوها فرحاً وأملاً، وحُقّ لهم ذلك، فهم يسمعون عن هذه القمة منذ سنوات، لكنهم كلما ظنوا أنها اقتربت منهم ابتعدت أكثر!
مع إيماني بأهمية التفاؤل بأن تصنع هذه القمة الثقافية، إذا تحققت، شيئاً لتحريك جمود الثقافة العربية وخلخلة قوالبها التقليدية، إلا أني أنصح المثقفين بعدم الإفراط بالتفاؤل!
الثقافة غير السياسة، فإذا كانت الثانية عملاً أبوياً (بطريركياً)، فإن صنع مسارات الثقافة يتم بأيدي الأبناء (شعبوياً). هذا لا ينفي دور (النخبة) في تحريف مسارات الثقافة وحياكة ملبوساتها، لكن آلية عمل نخبة الثقافة تختلف كثيراً عن آلية عمل نخبة السياسة، بسبب اختلاف تكوين (النخبة) في الإطارين أصلاً.
***
في عام ٢٠١٣م كان لي شرف تمثيل منظمة اليونسكو في القمة العالمية للصناعة الثقافية في الصين. كان هدف الصينيين توجيه نتائج القمة لخدمة غرض أساسي هو مواجهة مدّ الرسملة الثقافية (الأميركية) في العالم برسملة صينية مضادة، وإن تغيرت الأسماء والشعارات!
رسملة القوالب الثقافية وتحويلها إلى أوعية مدرّة للأرباح، ستكون حتماً المحور الرئيس للقمة العربية الثقافية أيضاً. لا مفرّ من ذلك، ولو كره المثقفون.
لكن المثقفين يطمعون في أن يكون إلى جانب المحور الرئيس عن (اقتصاديات الثقافة) محاور أخرى عن «القيم العلمية والأخلاقية العربية الأصيلة»، وفق ما ورد في توصية قمة الظهران.
ما الذي يمكن أن تناقشه القمة الثقافية للعرب:
١. إبراز دور عناصر الثقافة العربية المشتركة في تعزيز التناغم والأمن القومي للمواطن العربي.
٢. مع احترام الخصوصيات الثقافية الوطنية (المحلية)، لا بد من تحديد القواسم/ الخطوط العريضة للثقافة العربية المشتركة وتعزيزها، مثل: اللغة العربية، الميراث الثقافي لعصور الازدهار العربي، قواسم التاريخ والجغرافيا العربية.
٣. الالتفات إلى اللغة العربية وإعطائها الاهتمام الكافي إعلامياً وتعليمياً بوصفها مكوناً أساسياً لهويّة الإنسان العربي، وجسراً أساسياً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والتقدم الحضاري. لم يسجل تاريخ الحضارات، القديم والحديث، أن حضارةً نهضت وتقدمت بغير لغتها الأم.
٤. تخصيص مراكز ذات موازنات وافرة وكوادر محترفة لأعمال الترجمة، من لغات العالم إلى العربية والعكس، في مختلف الفنون والعلوم والآداب.
٥. البحث في السبل الأنجع والأكثر فعالية لتعزيز قيم الوسطية والاعتدال بين الشباب العربي، مع التمسك بثوابت التعاليم الإسلامية والتقاليد العربية، وذلك بهدف قطع الطريق على الفكر المتطرف من التغلغل في المجتمعات العربية.
٦. بحث آلية تعزيز دور المثقف العربي وتمكينه من الإسهام في صنع الوئام الإقليمي والوطني.
٧. تمكين الثقافة من الإسهام في تكريس الاستقرار السياسي، لا أن يتم توظيف الثقافة والمثقف في التجاذبات السياسية.
٨. حث الدول العربية كافة على الاهتمام بتراثها المادي (الآثار) وغير المادي (الفنون والممارسات)، وتسجيل تلك العناصر في لائحة التراث العالمي لليونسكو، حمايةً لها من الاندثار أو العبث والإهمال.
٩. محاولة الوصول إلى آليات لرفع سقف حرية التعبير (المنخفض عربياً) من دون الإضرار بالأمن الوطني أو إشاعة الفوضى الفكرية في المجتمع.
١٠. تفعيل القرارات والأنظمة الصادرة عن المنظمات المتخصصة في شأن (حقوق الملكية الفكرية)، خصوصاً في ظل الاندفاع المحموم للاستثمار في الثقافة.
١١. تنشيط حضور ودور المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الأليكسو) ومنحها الاهتمام الكافي للقيام بأدوارها المتوقعة في خدمة الثقافة العربية والتعريف بها وبعناصرها داخل وخارج الوطن العربي.
هذه مجموعة محاور يمكن مناقشتها في القمة، لا أُنكر طوباويتها وطموحها العالي جداً أمام المخاوف والتوجسات من أن تنقلب القمة العربية الثقافية إلى قمة تقليدية نمطية تخرج بمجموعة من التوصيات الإنشائية الخالية من خارطة طريق فعلية لتنفيذها.
التوجس الأكبر هو أن يحضر هذه القمة الثقافية كل أحد إلا المثقف!
* كُتبت هذه الورقة بالتنسيق مع (ملتقى أسبار) بالرياض.
جريدة الحياة