العلاقة بين النادل والزبون في المطاعم علاقة متوترة دائماً. النادل يكره باطنياً زبائنه؛ فخدمته لهم تنطوي على شيء من المذلة والشعور بالنقص. عليه أن ينفذ أوامرهم مهما صعبت ويتحمل انتقاداتهم وإهاناتهم بأدب واحترام.
القاعدة التجارية تقول الزبون دائماً على حق. والزبائن من ناحيتهم أيضاً يشعرون بالنقص تجاه النادل؛ فهو الذي يعرف أكثر مما يعرفون عن الأكل والشرب وأصوله وآدابه. وتتوقف وليمتهم على حسن ذوقه وخدمته.
لكن كثيراً ما يجد النادل وسيلة ماكرة للنيل والانتقام منهم في حدود الأدب والخدمة. كانت بعض المطاعم في بغداد تحمل لوحة على بابها تقول: «خاص بالمسلمين». أعطى ذلك النُدُل فرصة النيل من أي زبون لا يعجبهم. «آسف أفندي. هذا محل خاص للإسلام. ما يجوز لشيوعي مثلك ياكل فيه. تفضل اطلع». وعندئذ يقتضي على المسكين أن يثبت أنه غير شيوعي قبل أن يأكل ماعون بامية فيه.
اختفت هذه اللوحة بتنور الجمهور ونمو الوعي. لكن بهذه الموجة الحالية من الرجعة الحالية، ربما نجد عن قريب مطعماً يقول: «خاص بالشيعة». وآخر يقول: «خاص بالسنة».
المعتاد عندنا أن ينادي النادل بأعلى صوته في طلب الوجبة. تسمعه يصرخ «واحد بيتنجان واثنين كباب للشباب هنا». أعطاهم ذلك خير وسيلة لتحقير أي زبون. كان هناك نادل في مطعم كباب سليمانية في الحيدرخانة يبهدل أي أفندي عندما يصرخ قائلاً للطباخ: «نص ماعون كباب للأفندي هنا من دون سكينة وشوكة».
سأل النادل أحد زبائنه عما يريد فأجابه: «خليني أفكر دقيقة». عاد إليه بعد دقائق فأجابه «تمن وشجر رجاء». فنادى النادل بأعلى صوته «الأستاذ هنا بعد التفكير شجر»! والشجر (القرع) عند العراقيين يتميز بقلة العقل وقلة الذوق.
كانت المطاعم الشعبية مزدانة برسوم جدارية، منظر نهر دجلة، جسر الملك فيصل، صورة بطة أو حمار أو حصان. وأصبحت هذه المناظر نقاطاً لتحديد مكان الزبون. ينادي النادل على الطباخ: «ماعون كباب للأفندي جوه الجسر». أو «باقلا وخبز للبطة»، وهلمّ جرّا. وهكذا أصبح على الزبائن أن يتحاشوا المناظر المشينة ويجلسوا بعيداً عنها، مثلاً منظر دابة تأكل علفها.
للنُدُل أيضاً براعتهم في حسن المخلص. احتج أحد الزبائن على قطعة الستيك التي وجدها صلبة جداً. فنادى على النادل وقال: «شنو هذي؟ أدوس بالسكينة بكل حيلي وما أقدر أقصها»! فابتسم النادل ونادى على زميله الآخر: «يا محمد، جيب سكينة حادة زين للأستاذ جوه البطة».
بيد أن زبوناً آخر عالج هذا الموضوع بلوذعية أحسن. نادى على النادل، وقال: «اسمع هنا. إذا كنت أريد ستيكاية قوية مثل الحجر، عندي في البيت زوجتي تسويها»!
جريدة الشرق الاوسط