يصادفنا في الكثير من الكتب المترجمة إلى العربية من اللغات الأجنبية، عدد لا يكاد يحصى من الهوامش التي يضعها المترجم، ليتها تكتفي عند حدود إيضاح بعض المعلومات الواردة في النص الأصلي، كالإشارة إلى أماكن أو حوادث أو معارك وما إلى ذلك وقعت في بلاد المؤلف أو حولها، وطبيعي ألاّ يكون القارئ العربي ملمّاً بتفاصيلها، مما يلزم تدخل المترجم، في حدود الضرورة القصوى فقط، لتقديم معلومات حولها تساعد على فهم مغزى النص المترجم كاملاً.
ما نحن إزاءه هنا، ليس هذا النوع من التوضيحات الضرورية التي يلجأ إليها المترجم، لا بل ويجب عليه أن يلجأ إليها، وإنما بصدد نوع آخر من الهوامش هي بمثابة تدخلات من المترجم أشبه بالتطفّل، إن صحّ التعبير، على النص المترجم، فما أن يجد المترجم نفسه مختلفاً مع الكاتب في مسألة من المسائل حتى «يتحفنا» بهامش طويل على شكل مداخلة يساجل فيه المؤلف ويجادله.
يُوقع ذلك القارئ في حيرة من أمره: أيقرأ قول المؤلف أم ينصرف إلى متابعة هوامش المترجم، فيتيه بينهما، بالنظر إلى أنه يجد نفسه إزاء قولين أو خطابين متضادين، فيشتت متابعته للنص المترجم الذي اختار أن يقتني الكتاب ويقرأه من أجله، لا من أجل معرفة رأي المترجم فيه.
أيعني ذلك أن الكتاب حين نترجمه إلى لغتنا، معصوم من النقاش والسجال، وإظهار ما فيه من أحكام غير صحيحة أو غير دقيقة، ومن معلومات مغلوطة، وأحياناً من غايات غير حميدة، خاصة حين يتصل الأمر بقضايا تاريخية أو راهنة تمس قضايانا نحن أنفسنا؟.
بالقطع لا. لكن هذه ليست وظيفة المترجم، فمهمته ترجمة النص كما هو، تاركاً للقارئ نفسه، أن يصدر الحكم المناسب على محتويات الكتاب، من زاوية النظرة الخاصة به، لا أن يقحم المترجم قراءته الخاصة في الكتاب ويفرضها على القارئ في صورة الهوامش المشار إليها.
بعض المترجمين الحصيفين، يلجؤون إلى أسلوب المقدمة التي يعرضون فيها لفكرة الكتاب، ويُعرّفون بمؤلفه، ويشرحون لماذا اختاروا ترجمته، ويبدون في خاتمة هذه المقدمة ما تكوّن لديهم من انطباعات عن الكتاب، وعما انطوى عليه من معلومات وأحكام يرونها غير دقيقة، ثم يتركون القارئ يقرأ ما ترجموه، كما جاء في النص الأصلي.
الراحل جورج طرابيشي لاحظ مرة، ما لحق بكتب بعض المستشرقين من أذى على أيادي مترجميهم، لأنهم كانوا معنيين ب«تصيّد» ما فيها من أخطاء، أكثر مما هم معنيين بترجمتها.
جريدة الخليج