عقب مرور 70 عاما خلال الربيع الماضي، صدرت في فرنسا عن دار “غاليمار” المرموقة، ترجمة جديدة لرائعة الكاتب البريطاني جورج أورويل “1984”. وفي هذه الترجمة الجديدة تخلت المترجمة جوزيه كامون عن الماضي لصالح الحاضر لكي يكون الواقع المرعب الذي تصفه الرواية أكثر حضورا. كما أنها ابتكرت عبارات وأوصافا تتناسب بشكل بديع مع أجواء الرواية الكابوسية، ومع خصوصيات الأنظمة الشمولية التي برع جورج أورويل في وصفها.
وفي مطلع الخريف الحالي، صدرت في فرنسا أيضا ترجمات جديدة لأعمال مؤلفين أصبحوا يصنفون ضمن الكلاسيكيين الكبار أمثال ستفنسون، وإدغار آلن بو، وفرانز كافكا. كما صدرت ترجمات جديدة لاثنين من كتاب الرواية البوليسية في الولايات المتحدة الأميركية، داشيال هامّات، ورايمون شاندلر.
وقد قدم المترجمون تبريرات مختلفة ومتنوعة لهذه الترجمات الجديدة. فبالنسبة لستفنسون صاحب “جزيرة الكنز″، غفل المترجمون السابقون عن ترجمة الكثير من العبارات التي ابتكرها لكي تكون قريبة من لغة البحارة الهجينة، والبذيئة، والسوقية. ولعلهم لم يرغبوا في ترجمة تلك العبارات خشية “تدنيس″ لغة شكسبير بما لا يليق بها، ولا يرتقي إلى مستواها الرفيع. ومعنى ذلك أنهم “خانوا” ستفنسون الذي كان يحب أن “يزرع″ في اللغة الإنكليزية ما يمكن أن يعكس عوالم بحارة ومغامرين أنصاف أميين. وغالبا ما يكون هؤلاء لصوصا، ومجرمين فارين من العدالة.
وكان الشاعر الفرنسي الكبير شارل بودلير أول من نقل إلى لغة موليير قصص الأميركي إدغار آلن بو، ليكون لها في ما بعد تأثير هائل على شعراء ومبدعين آخرين. وفي الترجمة الجديدة أشار المترجمان إلى أن صاحب “أزهار الشر” حرص في ترجمته على أن يكون “لصيقا” بالنص الأصلي. وإذا ما جاءت الترجمة متقنة، وبديعة فلأن لغة إدغار آلن بو كانت جميلة، ولأن المترجم كان شاعرا فرنسيا كبيرا. لذلك كان لا بد من ترجمة جديدة تحرر قصص بو من “جمود” ترجمة قديمة تعود إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر لكي تكتسب الحيوية الجديرة بها.
وكان الهدف من إصدار ترجمة جديدة للأعمال الكاملة لفرانز كافكا هو تحريرها من “قمقم” الترجمات القديمة التي تقدمه ككاتب سوادي، لكي يكون على الصورة التي كان عليها في الواقع والحقيقة، أي كاتبا ساخرا من واقع اجتماعي وسياسي مرير.
أما في عالمنا العربي فنحن نفتقد إلى مثل هذه الترجمات الجديدة. ورغم تعدد مراكز الترجمة وكثرتها مشرقا ومغربا، فنحن لا نزال نقرأ روايات دستويفسكي، وتولستوي، وتورجينييف، ورائعة ايفو أندريتش “على نهر درينا” في الترجمات التي أنجزها عن الفرنسية، وليس عن لغتها الأصلية السوري سامي الدروبي. وحتى وإن كانت بعض هذه الترجمات موفقة فإننا نقدر أن نقول إننا لم نقرأ بعد أعمال الكتاب الذين ذكرت بحسب مقتضيات القراءة الحقيقية.
كما لا نزال نقرأ كبار الأدباء الروس أمثال غوركي، وغوغول، وتشيكوف في ترجمات أنجزها في غالب الأحيان شيوعيون عرب ينتصرون للأيديولوجيا أكثر مما ينتصرن للأدب.
وثمة ترجمات لأعمال كلاسيكية عظيمة أمثال تراجيديات شكسبير، و”الكوميديا الإلهية”، وغيرها نقرؤها مشوهة، ومنقوصة بسبب مقص الرقابة السياسية والدينية والأخلاقية وغيرها. وقد تنجز ترجمات من اللغة الأصلية لكنها تأتي مشوهة أيضا. وهذا ما حدث مع الكثير من الأعمال الروائية والنقدية والفلسفية وغيرها.
صحيفة العرب