الخريف هو أنسب الأوقات للتغزل بالشجر. الموسم الذي ينضو فيه ثوبه الأخضر ويبعثر وريقاته الصفر والذهبية على ممرات الحدائق. هل هي كائنات من خشب؟ كيف إذن تتنفس وتهتز وتضطرب وتتجدد وتطلق نسغها وتفرز قطرات صمغها، دموع عيونها، وتمد شرايينها في جسد الأرض؟ الأشجار مخلوقات ذات رهافة استثنائية وجمال يلهم البشر. وليس بمستغرب أن تكتب هي نفسها القصائد في الأمسيات المقمرة.
دعت مؤسسة «كارتييه» في باريس إلى معرض بعنوان «نحن والأشجار». تلجأ المؤسسات الكبرى إلى الاهتمام بالفنون لتجميل صورتها «الرأسمالية» وتخفيف ضرائبها. يقصد الزائر المعرض وفي باله أنه سيرى صوراً مُلتقطة للغابات من زوايا فنية باهرة. ثم يكتشف أنه دخل مؤتمراً يجمع نخبة من علماء النبات والفنانين والفلاسفة. لوحات ولقاءات وأفلام تلقي نظرات متجددة على علاقة الإنسان بالشجرة. يأتي أيضاً أناس عاديون ليتحدثوا عن الروابط الحميمة التي نسجوها مع الطبيعة وعرائسها الخضر. نفهم أنها لا تلهم الشاعر والرسام والباحث عن فيء، فحسب، بل والمشتغلون بالطب وبارتياد الفضاء.
في المعرض جدول تاريخي يفيد بأن الأرض ظهرت قبل 4.6 مليار سنة. وقبل 1.5 مليار سنة ظهرت الخلايا التي كانت أصل النبات والحيوان. ثم ننتقل من المليارات إلى الملايين. فقبل 475 مليون سنة بزغت المزروعات من الماء وزحفت على الأرض. وبعدها ظهرت أولى الشجيرات. وقبل مليون سنة تفتحت أولى الأزهار. وفي 1940 كتب بشارة الخوري «يا ورد مين يشتريك» وغنّاها عبد الوهاب في فيلم «يوم سعيد».
يجتمع في حديقة المؤسسة التي رسم خريطتها المعمار جان نوفيل، 200 نوع من الأشجار. وفي الوسط أرزة لبنانية زرعها الوزير شاتوبريان سنة 1823 في تربة فرنسا. وهناك أيضاً شجرة نقلتها المخرجة الكبيرة آنييس فاردا من بيتها وأهدتها لهذه الحديقة. وعلى شجرة آنييس تقبع نانا قطة آنييس، بعد أن تحولت إلى تمثال بالحجم الطبيعي من البرونز. لكن النبات ليس من التماثيل. ومنذ القرن السابع عشر تحدث العلماء عن حياة جنسية للمخلوقات الخضراء. أثبتوا أن الأشجار تتخاطر فيما بينها وتتقاسم الحلو والمرّ. فشجرة الصمغ العربي، مثلاً، قادرة على التحول في لمح البصر إلى نبتة سامة في حال تسللت إليها القوارض. وهي تطلق غازاً يحذّر الأشجار المحيطة بها من الخطر. ويؤكد علماء يابانيون أن الأشجار تستشعر الهزات الأرضية قبل وقوعها. وأظهر عالم إيطالي أن جذور الشجر تعمل بإمكانيات تشبه ما يقوم به العقل البشري. ولاحظ الفرنسي فرانسيس هالي أن أشجاراً كثيرة تتصرف بنوع من الحشمة وتتباعد عن جاراتها لكي لا تحجب عنهن أشعة الشمس. وأثبت مركز سويسري للأبحاث أن الشجرة تلعب دوراً في تكوّن الغيوم، بل إن لها ذاكرة.
كان في بلدنا عيد سنوي للشجرة نحتفل به عند حلول الربيع. قال لنا المعلمون في المدرسة إن النخلة ثروة وطنية. وهي أطول عمراً من بئر النفط. كان ذلك قبل أن تجزّ الحروب رؤوس غابات النخيل. كان هناك، أيضاً، قانون يفرض على أصحاب الحدائق المنزلية أن يزرعوا نخلة واحدة وزيتونة واحدة، على الأقل، مقابل الحصول على الماء الخابط، أي الذي يستخدم للسقي.
ليت كل القوانين من هذا النوع. واليوم تنطلق صرخة عالمية عظمى من أجل حماية الطبيعة وتجديد كسوتها. يتطوع شبان وشابات في حملات تشجير مليونية. ثم يطلع جياع إلى الشهرة وسياسيون يركبون الموجة. يصعدون على الشجرة. يؤسسون أحزاباً ويحجزون مقاعد في البرلمانات ويمارسون لعبة خذ وهات. يضيفون لتلوث البيئة تلوث الضمائر.
دعت مؤسسة «كارتييه» في باريس إلى معرض بعنوان «نحن والأشجار». تلجأ المؤسسات الكبرى إلى الاهتمام بالفنون لتجميل صورتها «الرأسمالية» وتخفيف ضرائبها. يقصد الزائر المعرض وفي باله أنه سيرى صوراً مُلتقطة للغابات من زوايا فنية باهرة. ثم يكتشف أنه دخل مؤتمراً يجمع نخبة من علماء النبات والفنانين والفلاسفة. لوحات ولقاءات وأفلام تلقي نظرات متجددة على علاقة الإنسان بالشجرة. يأتي أيضاً أناس عاديون ليتحدثوا عن الروابط الحميمة التي نسجوها مع الطبيعة وعرائسها الخضر. نفهم أنها لا تلهم الشاعر والرسام والباحث عن فيء، فحسب، بل والمشتغلون بالطب وبارتياد الفضاء.
في المعرض جدول تاريخي يفيد بأن الأرض ظهرت قبل 4.6 مليار سنة. وقبل 1.5 مليار سنة ظهرت الخلايا التي كانت أصل النبات والحيوان. ثم ننتقل من المليارات إلى الملايين. فقبل 475 مليون سنة بزغت المزروعات من الماء وزحفت على الأرض. وبعدها ظهرت أولى الشجيرات. وقبل مليون سنة تفتحت أولى الأزهار. وفي 1940 كتب بشارة الخوري «يا ورد مين يشتريك» وغنّاها عبد الوهاب في فيلم «يوم سعيد».
يجتمع في حديقة المؤسسة التي رسم خريطتها المعمار جان نوفيل، 200 نوع من الأشجار. وفي الوسط أرزة لبنانية زرعها الوزير شاتوبريان سنة 1823 في تربة فرنسا. وهناك أيضاً شجرة نقلتها المخرجة الكبيرة آنييس فاردا من بيتها وأهدتها لهذه الحديقة. وعلى شجرة آنييس تقبع نانا قطة آنييس، بعد أن تحولت إلى تمثال بالحجم الطبيعي من البرونز. لكن النبات ليس من التماثيل. ومنذ القرن السابع عشر تحدث العلماء عن حياة جنسية للمخلوقات الخضراء. أثبتوا أن الأشجار تتخاطر فيما بينها وتتقاسم الحلو والمرّ. فشجرة الصمغ العربي، مثلاً، قادرة على التحول في لمح البصر إلى نبتة سامة في حال تسللت إليها القوارض. وهي تطلق غازاً يحذّر الأشجار المحيطة بها من الخطر. ويؤكد علماء يابانيون أن الأشجار تستشعر الهزات الأرضية قبل وقوعها. وأظهر عالم إيطالي أن جذور الشجر تعمل بإمكانيات تشبه ما يقوم به العقل البشري. ولاحظ الفرنسي فرانسيس هالي أن أشجاراً كثيرة تتصرف بنوع من الحشمة وتتباعد عن جاراتها لكي لا تحجب عنهن أشعة الشمس. وأثبت مركز سويسري للأبحاث أن الشجرة تلعب دوراً في تكوّن الغيوم، بل إن لها ذاكرة.
كان في بلدنا عيد سنوي للشجرة نحتفل به عند حلول الربيع. قال لنا المعلمون في المدرسة إن النخلة ثروة وطنية. وهي أطول عمراً من بئر النفط. كان ذلك قبل أن تجزّ الحروب رؤوس غابات النخيل. كان هناك، أيضاً، قانون يفرض على أصحاب الحدائق المنزلية أن يزرعوا نخلة واحدة وزيتونة واحدة، على الأقل، مقابل الحصول على الماء الخابط، أي الذي يستخدم للسقي.
ليت كل القوانين من هذا النوع. واليوم تنطلق صرخة عالمية عظمى من أجل حماية الطبيعة وتجديد كسوتها. يتطوع شبان وشابات في حملات تشجير مليونية. ثم يطلع جياع إلى الشهرة وسياسيون يركبون الموجة. يصعدون على الشجرة. يؤسسون أحزاباً ويحجزون مقاعد في البرلمانات ويمارسون لعبة خذ وهات. يضيفون لتلوث البيئة تلوث الضمائر.
جريدة الشرق الاوسط