هي أبغض اللحظات على النفس أن تنصرف لكتابة رثاء لصديق تعرفه، وتعرف ما هو عليه من موهبة وقدرات. يضاعف الضيق والأسى أن يأتيك خبر رحيل هذا الصديق مباغتاً صاعقاً من حيث لا تحتسب، كرحيل الشاعر والأديب حبيب الصايغ.
لم تكن قد مضت إلا ساعات قليلة جداً، ثلاث أو أربع، منذ أن قرأت مقاله الأخير في «الخليج» على موقع الجريدة، حين لمحت، غير مصدق، خبراً عن رحيله. كان عليّ أن أزور أكثر من موقع إلكتروني في الإمارات لأتيقن أن الخبر، ويا للأسف، صحيح، وأن حبيب لم يعد، جسداً، بيننا، وإن كان باقياً بشعره وبكتابته، وبأثر فعله الثقافي.
برحيل حبيب الصايغ يفقد المشهد الشعري والأدبي والثقافي في الإمارات وفي الخليج العربي واحداً من أهم وجوه الحداثة الشعرية والأدبية في المنطقة، وأحد أهم أقلام الصحافة في الإمارات الذي ظلّ حاضراً فيها حتى الرمق الأخير من حياته، ولا مجاز هنا، وإنما هي الحقيقة الصافية تماماً، فقلمه ظلّ سيّالاً بكتابة بليغة، محاججة، حتى فارق صاحبه الحياة على حين غفلة.
تختزل سيرة حبيب الصايغ الأدبية، في الكثير من أوجهها، سيرة جيل بكامله من مبدعي الإمارات ممن تفتح وعيهم مع قيام دولة الاتحاد في بداية سبعينات القرن الماضي. كانت مرحلة واعدة على كافة الصعد، وحبلى بالتحولات التالية.
ولم يكن أبناء وبنات هذا الجيل المبدعون بعيدين عن مناخات ومناهج وتيارات الحداثة الفكرية والأدبية في العالم العربي يومذاك؛ بل كانوا شديدي التأثر بها والتفاعل معها، خاصة وأن صحافة الإمارات استقطبت وجوهاً عربية مبدعة من الوزن الثقيل كمحمد الماغوط مثلاً الذي أدار الملحق الثقافي في صحيفة «الخليج»، وهو الملحق الذي من تحت عباءته خرج الكثير من شعراء وأدباء الدولة، وكان حبيب الصايغ، الموهوب بالفطرة، أحدهم.
ولعل عناوين ومناخات المجموعات الشعرية الأولى لحبيب تعكس هذه الروح، وبينها أول دواوينه الصادر في عام 1980: «هنا بار بني عبس الدعوة عامة»، وعناوين ما تلاه: «التصريح الأخير للناطق باسم نفسه»، و«قصائد إلى بيروت»، وغيرها.
في بداية الثمانينات أصدر حبيب الصايغ المجلة الشهيرة «أوراق» التي كان لها في وقتها شأن أدبي وثقافي مهم. وكان أحد وجوه مجلة «الأزمنة العربية» التي أصدرها الراحل غانم شهاب، كما أشرف تالياً على الملحق الثقافي لجريدة «الفجر» الصادرة في أبوظبي.
سيظل الصايغ علماً من أعلام الصحافة في الإمارات، وأحد أهم وأبرز كتّابها.
جريدة الخليج